الثقافة…أيّ واقع وأيّ آفاق لها في المستقبل؟

نسجاً على منوال أغلب الندوات الثقافية والإعلامية، فقد اخترنا عنواناً يحاكي عناوين تلك الندواص المكررة المكرورة المتكررة، إذ تكاد لا تنعقد ندوة في هذا الإطار إلا وتحمل عنوان (كذا وكذا.. واقع وآفاق)!

أما الواقع الذي سنتحدث عنه في هذا المقال فهو واقع الوضع الثقافي بين (المتغيرات) و(المتغيرين)! فهنالك بون شاسع بين ما تغيّر في الوضع الثقافي ومن تغيّر، واستمرت معادلة المراوحة في المكان،
ولكن مع خطوات إلى الوراء بسرعة مراوح صيف أيلول الماضي الذي سجّل أعلى درجات حرارة في تاريخ الكرة الأرضية!

الثقافة منذ سنوات، ثم منذ مطلع الأزمة المشؤومة، هي وزارة تحقق السيادة لوزرائها وطبقة مسؤوليها في مختلف المديريات والدوائر..
ولا شيء ينتج عنه عز وجاه وكسب يعدّ عاراً لدى مسؤوليها ولو كان عارياً عن الصحة أو المنطق أو مخالفاً للقوانين،
وذلك رغم الطنين الذي شعر ويشعر به أولئك المسؤولون في آذانهم من أن سيرتهم مفتوحة هنا وهناك ولدى القاصي والداني، ولكن دون أن يدنو أجَلُ تلك المخالفات، ما هو مفعّل منها الآن وما قد فات!

وتأتي الوفاة في مقدمة أنشطة تلك الوزارة، فتراها تؤبّن المتوفين من رموزها أحسن تأبين،
وذلك بذكر خصال المتوفى ورثائه أفضل رثاء وتخصيص الافتتاحيات له ولذويه وأقربائه ومقربّيه،
أما ما توفي من تراثنا فلا حول ولا قوة لمن يحاول إنعاشه أو صدمه كهربائياً لعلّ بقايا روحٍ فيه تنبض في قلبه من جديد.

في هيئة الكتاب،
وبعد شل قدرتها على التطوّر ومواكبة كل عصور النهضة العربية والعالمية،
بإقصاء أحد أهم المختصين الخبراء بذلك ونفيه إلى مكتبة الأسد، تم جلب أحدهم من موقع لا يتناسب مع الموقع الجديد في الهيئة،
فمارس فيها شقاءً اعتبره نقاءً، ثم خرج بخفّي حنين اللذيْن دخل بهما،
وخلفه منتعل الخفّين نفسيهما وتستمر الهيئة بلا هيئة مرجوّة،
وتُدخِل القرّاء في باب حارة جديد يحرسه شنب عثماني أمالَ طربوشَ صاحبِه إلى حيث لا آمال منتظرة لعودة مياه الكتاب السوري إلى مجاريها…

وتنتصر الوزارة –على سيرة النصر- على الطامحين فيها للتغيير،
ويكسب كبيرها ودَّ صاحب الشرطة الجنائية بمتّهمين من نوع جديد، مثقّفين لا يحملون (شبرية) على الخصر، ولا (شنتيانة) في الحزام، ولا شفرة بين الأسنان، بل هم من أشاوس المجتمع ومتنوّريه ومتنوّراته،
فارت دماؤهم فلجؤوا إلى الهواتف الذكية واشتركوا بخدمة التواصل الاجتماعي التي هي الآن مثل (المؤسسة العامة الاستهلاكية) يدخل إليها كل مواطن يريد غرضاً.. فما هو غرض مثقفين موظفين في الثقافة من مؤسسة التواصل الاجتماعي العامة (ماع) سوى إيصال أصواتهم لمن صمّ أذنيه من جماعة الرقابة والروتين والرتابة؟

كل ما يمكن تسجيله من أنشطة الثقافة خلال السنوات الماضية حتى الآن (لا يخرط مشط) تلميذ في ابتدائية، فأين السياسة الثقافية في مواجهة الغزو الثقافي الغربي والصهيوني والتكفيري؟…
وأين السياسة الثقافية في مواجهة منشورات الغرب المرخّصة من العرب،
والتي أرجعتنا إلى شعوب وقبائل غير متفاهمة وغير منسجمة، بل وغير متعارفة!

ماذا قدّمت الثقافة للمتعطّشين إلى معرفة مصير تراثنا بعد حرب السنوات العشر الماضية التي شنّها الغرب علينا؟…
هل قدّمت سوى التعازي على لسان (اليونسكو)، والطمأنة على لسان الوزير ومديره للآثار؟

(تراثنا بخير)… عبارة أضحت كالنشيد الشعبي منذ مطلع الأزمة، وكأن ناقل هذا الخبر يخاطب طفلاً صغيراً بالطريقة التي يخاطب فيها الكبار الصغار حين يتوفى لهم أب أو أم…

(تراثنا بخير)… عبارة تستفز الدم في العروق كلما رأينا تلك القطع الأثرية والتراثية في مزادات الإرهاب ورعاته…

 

(تراثنا بخير)… عبارة يتشدق بها كبار المسؤولين في الثقافة ما داموا هم بخير!!

 

أنتم بخير فعلاً يا مسؤولي الثقافة ما دام القانون في غيبوبة والرقابة في أُنبوبة، ولكن لا تثقوا كثيراً بالتطمينات التي تأتي همساً أو تُرسل لمساً، فالفجر آت لا محالة وستسطع الشمس على كل حال وحالة.

العدد 1105 - 01/5/2024