المصالحة الفلسطينية هل تكتمل؟

استبشر الشعب الفلسطيني بتفاؤل إعلان الحركتين (فتح، وحماس) بدء التفاوض لإغلاق ملف الانقسام، بعد أن أدركتا أن إقلاع قطار إنهاء الانقسام يوجب أن تكونا في مقدمة عرباته، وأن الصراع المرير والدامي بين الحركتين قد أساء بصورة أو بأخرى إلى التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وأن إطالة أمد الصراع لن يكون فيه منتصر ومهزوم، وأن تقتنعا بأن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على أسس وطنية، تتجلى فيها الشفافية والصراحة، هو الحل القابل للنمو والحياة ونيل الرضا من كل مكونات الشعب الفلسطيني، والتفاف الجماهير العربية حوله.

لقد أدرك الشعب الفلسطيني أن حالة الانقسام قد خلقت جرحاً متقيحاً في جسده، وتهيأت اللحظة التاريخية كي يلتئم فيه ذلك الجرح دون أن يترك أثراً فيه.

إن الملفات المطروحة على طاولة التفاوض في القاهرة يمكن تجاوزها، إذا جرى التغلب على المصلحة التنظيمية لكلٍّ من الطرفين وتغليب مصلحة الشعب الفلسطيني، وبذلك يمكن أن نسجل لهما بكل فخر أنهما قد انتصرا على نفسيهما وأعادا ضخ الدم في الشريان الفلسطيني المعتل.

لكن الملف الذي يرعبنا حقاً وترتعد منه مفاصلنا هو الملف السياسي، هذا الملف قد يفرمل اندفاع الحركتين ويعيدهما إلى الوراء، نتيجة لاختلاف رؤية كلٍّ منهما ومفهومها للعمل السياسي، وما يتضمنه ذلك الملف سوف يوسع شقة الاختلاف في الموافقة على بنوده.

ففيما يتعلق بموقف م.ت.ف بقيادة حركة فتح حول كيفية التعامل مع ذلك الملف، فإن النهج الذي أوصلنا إلى أوسلو قد راكم مجموعة من النتائج المسيئة التي استخدمت لتوسيع الإقدام على اقتراف الكارثة. فقد أطلقت اتفاقية أوسلو إشاعة مفاهيم التسوية التي مهدت للاعتراف بالكيان الصهيوني، وجردته من سماته الحقيقية ككيان استعماري عنصري عدواني.

وفي هذه الحالة فإن أوسلو قد أضفت صفة الشرعية على الاحتلال، وقدمت مكتسبات مجانية للعدو ساهمت بإدخال العمل الوطني الفلسطيني في أزمة خانقة وجرى الابتعاد عن النضال ضد العدو.

إن انتهاج السلطة الفلسطينية لهذه السياسة، في حال إصرارها على قبول الطرف الآخر لها، سوف ينسف كل الجسور التي بنيت وأُنجز التوافق عليها في الملفات السابقة.

أما موقف حماس فهي ترى أن التحركات السياسية الراهنة للسلطة قد جاءت بنتائج كارثية، كما أدخلت شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني في دائرة الوهم من المفاوضات مع العدو، وراحت تنتظر دولتها السرابية على أطباق تقدم في مائدة المفاوضات، على الرغم من أننا قد اختبرنا جدية العدو في الوصول إلى سلام خلبي.

ونرى أن الإصرار على الاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود بسلام وأمن، والإقرار بالاتفاقيات الدولية الرباعية، قد يحولان دون إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام. ومما يؤزم الموقفَ أيضاً التنسيقُ الأمنيُّ مع العدو ورفضُ السلطة حملَ البندقية رفضاً قاطعاً، وقد يوقفان عجلة قطار المصالحة.

العدد 1104 - 24/4/2024