حول ردود الأفعال على إصدار الإعلان الدستوري

(النور):
يمكن اختصار ردود الأفعال على صدور الإعلان الدستوري، التي صدرت عن الأحزاب والقوى السياسية وهيئات المجتمع المدني والنخب السياسية والفكرية والثقافية في داخل سورية وخارجها، بالتركيز على أمرين اثنين:
الأول: الجانب القانوني والإجرائي المتعلق بتشكيل لجنة صياغة الإعلان الدستوري.
الثاني: بنود الإعلان ومدى انسجامها مع الأوضاع الراهنة، ومتطلبات بناء سورية الجديدة.
الجانب القانوني والإجرائي ليس شكلياً، لذلك تتطلب المرحلة الانتقالية، في أيّ دولة يعلن قادتها تنديدهم بسلطة الاستبداد والتفرّد، وضعَ إعلانٍ دستوري عن طريق لجنة دستورية فوق الأحزاب.. فوق رغبات ومصالح أيّ فئة حاكمة أو محكومة، تضمّ خبراء في وضع الدساتير تأخذ بالحسبان قيم الحق والعدالة والمساواة، وتحوّلها إلى نصوص تعارض الاستبداد حقاً لا قولاً، وتؤسّس للعدالة الحقيقية لا الشكلية، والمساواة بين جميع المواطنين بقوة النص الدستوري، دون أيّ تمييز، نكرر أيّ تمييز، بين مواطن وآخر بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو المعتقد، وهذا ما يبرّر حياديّة اللجنة الدستورية تجاه الجميع، عدا حقوق أطياف الشعب والمصلحة العليا للبلاد، كي لا تأتي نصوص الإعلان على مقاس هذا أو ذاك، وكي لا نخرج (من تحت الدلف لتحت المزراب).
أما في الجانب المتعلق ببنود الإعلان الدستوري، فقد تمحورت الملاحظات والآراء حول المسائل التالية:
1- هل لبّت نصوص الإعلان الدستوري طموح المواطن إلى عقد مواطنة جديد، يضمن حقوقه السياسية والاجتماعية دون تمييز بين مواطن وآخر بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو المعتقد؟ ألا تفوح من بين نصوص الإعلان رائحة مفهوم الأكثرية والأقلية، الذي سيُعيد- شئنا أم أبينا- إنتاج أنظمة متفرّدة.. استبدادية؟ ولماذا حُدّدت الفترة الانتقالية بخمس سنوات؟
2- هل فصلت بنود الإعلان الدستوري فعلاً بين السلطات؟ وماذا عن استبعاد ممثلي الشعب في مجلسهم عن ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها؟ ولماذا تركزت السلطات بمقام رئاسة الجمهورية؟ ومن يحاسب رئيسَ الجمهورية؟
3- في مقدمة الإعلان، وفي بنوده التي نصّت على الحريات العامة، والحياة السياسية، وحرية التعبير، استبعدت لجنة الصياغة استخدام تعبير (الديمقراطية) في جميع هذه البنود، ممّا خلق انطباعاً لدى كثيرين أن الديمقراطية قد لا تتوافق مع المصدر الرئيسي للتشريع.. وهذا الأمر ربما ينسحب على مسائل أخرى في المستقبل.
يسأل البعض: وهل كان النظام البائد يعترف بالمواطنة، وفصل السلطات، والديمقراطية؟
نسارع إلى الإجابة: لا، أبداً! لكن الشعب السوري الذي عانى تفرّد النظام المُنهار واستبداده، يطمح إلى تحقيق ما سعى إليه منذ ما بعد الاستقلال، إلى نظام ديمقراطيّ.. تعدّديّ.. مدنيّ، يضمن الحقوق المتساوية للجميع، دون تمييز، ويغلق جميع الفتحات والشبابيك التي يمكن أن يتسرّب منها ما يسمح بعودة التفرّد والهيمنة، كي يتشارك الجميع في بناء سورية الجديدة، في مرحلة تعدّ من أخطر المراحل التي واجهتها في تاريخها، خاصة بعد وضوح المخطط الأمريكي- الصهيوني بإعادة ترتيب المنطقة العربية وتحييد أيّ مقاومة لاستباحة الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً للشرق الأوسط برمّته.
لن يُخرِج شعبَنا بجميع أطيافه من نفق سفك الدماء والتطرّف والتهجير والفقر، ولن يبني سوريةَ الجديدة، السيّدة الموحّدة أرضاً وشعباً، إلا وحدةُ الجميع، وتشارُك الجميع، وتلبية حقوق الجميع، وهذا ما يحقّقه النظام السياسي الديمقراطي.. المدني، وهذا ما يناضل من أجله حزبنا الشيوعي السوري الموحد.

العدد 1140 - 22/01/2025