يا للهول.. إنه دونالد ترامب | الطبع.. يغلب التطبع

د. نهلة الخطيب:

في الحلبة الأمريكية تنافس شخصان أثارا الرعب والمخاوف على العالم الذي يستحق الأفضل، سقطت هاريس، وكيف تنجح!! وهي نائبة بايدن الذي ترك خلفه حروباً متعددة الجبهات في أوكرانيا وفي لبنان وإبادة جماعية في غزة، وفاز دونالد ترامب مجدداً، فوزاً كاسحاً وتاريخياً، كسب الشرعية الشعبية وأصوات المجمع الانتخابي، ترامب تلاحقه قضايا ومحاكمات ب88 جريمة أدين حتى الآن ب34 منها في وضع غير مسبوق لرئيس أمريكي، رغم الابتذال وسوء الأخلاق والخلل، الذي ميز ولايته الأولى، انتهت بتورطه في اقتحام الكونغرس عام2021، وأصبح ترامب أول رئيس في تاريخ أمريكا، يعرقل الانتقال السلمي للسلطة، فكانت ضربة قاسية للديمقراطية الأمريكية، وصفه جورج كونواي بأنه: (شخصية نرجسية ولن يسمح لأي شخص آخر بالفوز في الانتخابات)، فكيف فاز ترامب؟؟!!

أساس الديمقراطية الأمريكية ليس الولاء لرئيس إنما الولاء للدستور، قالتها هاريس بعد هزيمتها، الولاء للدستور الأمريكي يعني التشدد على الامتداد الامبراطوري لوجود الولايات المتحدة، وتعزيز تفوق الرأسمالية الاقتصادية وسيادة رأس المال الأمريكي في العالم، وهذا هدف الدولة العميقة التي تتجاوز كل الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية، وبالتالي هي فوق الحزبين الديمقراطي والجمهوري معاً، وتتكون من اللوبي الاقتصادي والمالي الداخلي واذرعه الدولية المتمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد وحماة هيمنة الدولار، واللوبي الصناعي العسكري داخلياً وذراعه حلف الناتو، واللوبي السياسي والاعلامي الداخلي المتمثل في جماعات الضغط اليهودية والصهيونية. ترامب رجل الأعمال والصفقات هو جزء من كيان الدولة العميقة، له برنامج وطريقة عمل خاصة به، فكان ترامب مرشح المجمع العسكري الصناعي، وأسواق المال والنفط ووادي السليكون، وعمالقة المال في وول ستريت، وشركات التكنولوجيا، وكان إيلون ماسك ومجموعة روتشيلد الأكثر دعماً لحملته الانتخابية، وهؤلاء الأكثر تأثيراً في الدولة العميقة، فأعطت الدولة العميقة الضوء الأخضر لفوزه، إضافة إلى خوفها من ردة فعل أنصاره في حال خسارته، هناك تجربة سابقة، وهناك مخاوف من صدام أنصار ترامب وبعض المؤسسات داخل الدولة، مما يشير إلى خطر حدوث المزيد من العنف السياسي في البلاد، واحتمال التحول لحرب أهلية تؤدي إلى تفكك أمريكا من ولايات إلى دول مستقلة. جورج واشنطن يؤكد: (إن أي انتخابات في أمريكا، هي حرب أهلية مؤجلة، لا نعلم متى تنفجر).

حتماً سنكون مع ترامب، يا للهول، ولكن نحن بحاجة إلى أي رجل غير ترامب، لأنه خطر على أمريكا وعلى العالم، ترامب، بين (أمريكا أولاً)، والحفاظ على موقعها كقطب أعظم وحيد في العالم، و(نظرية الرجل المجنون)، وقدرته على أن تكون هناك حالة عدم تيقن حقيقية لدى الأخرين بما سيفعله، تحدق به الأزمات من كل حدب وصوب، أزمات أشد توتراً وأشد تعقيداً، مما كانت عليه في ولايته الأولى، في الشرق الأوسط، والشرق الأوربي، والشرق الأسيوي، وللتوصل إلى أي تسوية، قد تحتاج إلى حرب كبرى بتداعيات كارثية على سائر القوى، فأول خطوة بعد دخوله البيت الأبيض هي إصدار قرار عفو عن نفسه، ثم ماذا سيفعل بعد ذلك؟؟

فوز ترامب بولاية ثانية، يشكل مصدر قلق بالنسبة للعالم، فمن الصعوبة التنبؤ بما سيقوم به، وما الحدود التي سيلتزم بها، رغم تعهده بإنهاء جميع الحروب بما فيها الصراع العربي الإسرائيلي، ترامب الذي تتجول ابنته ايفانكا في غلاف غزة متمنية القتال إلى جانب الجنود الإسرائيليين، لن يقبل أي خطاب الا إذا أُعلن الولاء لإسرائيل، وسيكون أكثر عوناً لها، للاستمرار في سياسات الحرب، والاستيطان وضم أراضي جديدة، كما يشاء نتنياهو، سيكون لترامب وحزبه تأثير كبير على الشرق الأوسط وربما مختلف عما هو عليه الآن، والتغيير سيكون تحت مسمى الصفقات، (وسيكمل ما بدأه لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، والمقايضة على مستقبل الضفة الغربية)، ضمن إطار الأمن مقابل السلام بعد أن تم تحضير المنطقة بحرب طاحنة شنها سلفه وحزبه، ألم يكن شبح ترامب من يحكم البيت الأبيض في السنوات الأربع الماضية، كل ما فعله بايدن يعمل لحساب ترامب إنهم متكاملون في العمل لمصلحة أمريكا وربيبتها إسرائيل، يصنعون الأزمات ويستثمرونها، ها هي غزة حطام وكذلك لبنان، سورية محاصرة والعراق مفكك، وها نحن نستغيث بالقاتل من القاتل، من غير ترامب يخرجنا من الجحيم، اذا كان الأمر كذلك فالنهايات ليست سعيدة، ترامب سينهي الحرب بضربة أكبر للفلسطينيين والعرب، وخاصة دول الخليج، وينسف الاستراتيجية الجديدة التي اتخذتها دول الخليج القائمة على موازنة القوى وتنويع تحالفاتها، بصياغة علاقات جديدة مع الصين وروسيا، وينعش الاتفاقات الابراهيمية، ويجبر السعودية على إتمام التطبيع مع إسرائيل ليفتح المجال أمام دول أخرى، ولكنه ربما يواجه رفضاً سعودياً مشروطاً بقيام دولة فلسطينية ترفضها إسرائيل.

يمكن توقع بعض سياسات ترامب الخارجية على أساس سجله السابق، ترامب يفضل الصفقات على التحالفات، برأيه نظام التحالف مكلف للغاية، وهذا ما يستدعي الاستعداد الأوربي لتوترات اقتصادية، وأمنية قادمة مع أمريكا، وايجاد بدائل للجانب الأمريكي، وبناء تحالفات وعلاقات جديدة. وبالنظر إلى الاتهامات الأمريكية لروسيا، بالتدخل لصالحه في الانتخابات السابقة، والود الذي يكنه ترامب لبوتين، سيكون بوتين أقل قلقاً بفوز ترامب، فموقف ترامب من الحرب الأوكرانية، والدول الأوربية، ونكوصه عن معظم الأدوار الدولية والاتفاقيات، يتحدث عن تقليص الاشتباكات العسكرية الأمريكية في الخارج، وتقليص التزامات أمريكا تجاه الناتو، والدفاع الأوربي، والتلميح بالانسحاب، (رغم أنه في مقدمة التحديات التي ستواجهها إدارة ترامب باعتبار الناتو جزءاً من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي)، وإنهاء الدعم المالي الأمريكي لأوكرانيا، وسط وعده بأنه سيدفع إلى نهاية الحرب فيها خلال 24 ساعة، وان كان من الصعب على ترامب التخلي عن أوكرانيا تماماً لصالح روسيا، سيفرض صفقة تلزم روسيا باحترام استقلال أوكرانيا مقابل بعض التنازلات عن أراضٍ أوكرانية القرم ودونباس، كل ما سبق سيُخرج بوتين منتصراً منها.

سيزيد التنافس الصيني الأمريكي في العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يهدد بتأجيج الصراع بين أمريكا والصين واتساع نطاقه، وقد يقتصر على العقوبات الاقتصادية مقابل تراجع الصين عن المنافسة القطبية، وإيران، التي يأخذ ترامب منها موقف العدائية وخاصة بعد اتهامها بالتورط في محاولات اغتياله، لن يشن حرباً عليها، ولكنه لن يسمح بإتمام المشروع النووي، وسيكسر الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين.

وتبقى أمريكا إن كان جو بايدن أو كان دونالد ترامب، ونبقى بسياسات المعقول واللا معقول، لا مكان للتفاؤل، فالطبع يغلب التطبع!!

 

 

العدد 1140 - 22/01/2025