لن يفلّ الحديدَ إلا الحديدُ

علي شوكت:

لقد نجحت أمريكا في تمكين الفوضى أو تكاد بين القوى السياسية في الدولة الواحدة وبمعظم دول (الشرق الاوسط). فجعلتهم متقاتلين ومتناحرين وغيرت اتجاه بوصلتهم الاساسية وقضيتهم الاولى. وحاصرت وعصرت الدول والمجتمعات بالحصار والعقوبات الاقتصادية فزادت حدة الصراع المجتمعي طبقياً ولعبت لأجل ذلك على وتر الحس الديني والطائفي والمذهبي والقبلي والعشائري والإثني. فضربت بذلك الشعور الوطني وجعلته يتراجع لأدنى مستوى على مدى الصراع العربي الاسرائيلي وخلقت عدواً جديداً بزج الخلاف والصراع والتخوف من إيران وإظهارها وحشاً يريد ابتلاع المنطقة وجعلها العدو الأول بدلاً من الكيان الصهيوني. وضغطت لإظهار أن الصراع هو صراع سني شيعي واوهمت جميع الأطراف بوجوب الانخراط بذلك الصراع والتقارب مع الكيان، فلاحظنا التسارع الكبير في حركة التطبيع خاصة في الدول العربية ذات الإمكانيات المالية الكبيرة، وليست الاقتصادية لأنها تعتمد باقتصادها على مورد وحيد: البترول. وشهدنا أيضاً محاولات لإظهار تحالف ديني أسمته بالإبراهيمية لشد ترابط تلك الدول وجعل ما ليس ممكناً قابل للتحقق. وجميعنا يعلم ان ترامب عندما كان رئيساً لأمريكا نهب من دول البترول 500 مليار دولار في ليلة واحدة. فيما اعترف العربان بأنهم أنفقوا على محاولة إسقاط الدولة السورية ألفي مليار دولار وكانت حصة قطر في 2015 أكثر من 137 مليار دولار باعتراف رئيس وزراء قطر السابق.

اليوم وبعد نحو أكثر من عام على الحرب في غزة وتمدد الحرب إلى لبنان بغية كسر المقاومة وبغض النظر إن كان البعض مؤيداً لتلك المقاومة أم لا، نشهد انقساماً حاداً بين أبناء البلد الواحد بدل توحيد الصفوف ونبذ او تاجيل الخلافات والمهاترات السياسية وغيرها فيما الإعلام العربي يتبنى الرواية الصهيونية واحقيتها بالدفاع عن نفسها بينما تلوم المقاومين على مقاومتهم. وتبث تلك الفضائيات عبر محلليها وبرامجها كل وسائل الدعاية لخدمة العدو بطرق مباشرة وغير مباشرة وضرب البنية الفكرية والسياسية وتعزيز الانقسام المجتمعي بخلق تناقضات تضيء عليها وتجعل منها حديث الساعة بهدف زيادة الانقسام حتى الوصول للاقتتال.

إن الهدف الرئيسي من كل ذلك إرضاء مشروع ما يسمى الشرق الاوسط الجديد كما أسمته الإدارة الامريكية على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس. ومن أجل تثبيت وتدعيم وجود الكيان وبسط سيطرته وتحقيق ادعائه بدولته الموعودة زوراً وكذباً التي تمتد من الفرات إلى النيل فتأكل كل فلسطين ولبنان والأردن واجزاء من مصر (سينا) وأجزاء كبيرة من العراق والسعودية.

لا شك ان الانقسام العربي على كل الأصعدة وصل لحد شديد التأزم خلال الخمسة عشر عاماً مما دعي (بالربيع العربي) وثلاثة عشر عاماً من الحرب والصراع على سورية. وشهدنا تقلبات عديدة صعوداً وهبوطاً وتقدماً وتراجعاً في الميادين خاصة في سورية وما تشكله من حلقة ربط وثيقة في تحالف المقاومة ومحاولة تمدد الكيان الصهيوني. فكان المطلوب كسر تلك الحلقة بأي وسيلة وبأي ثمن وجعل الناس وقوداً لحروب بخلق أحقاد لا تنطفئ لعشرات السنين. لذلك رأينا كيف استشرست وتكالبت الدول التي دعمت العدوان على سورية خاصة قطر والسعودية وتركيا والإمارات والاردن وشكلت ما سمي بغرف القيادة في الأردن غرفة الموك وفي تركيا غرفة الموم ضمت ضمنها نخب من القيادات العسكرية والاستخباراتية والعملياتية بالتنسيق والتشارك والتعاون والانقياد لكل من المساد وال CIA

فيما كان العالم على موعد مع حرب جديدة وعلى شفير حرب عالمية ثالثة بين روسيا من جهة وأوكرانيا التي تدعمها كل من امريكا وأوربا. ولهذا الموضوع له ما له وعليه ما عليه من تطورات وتراكمات وصراع بين قوى دولية صاعدة مناوئة لقطبية امريكا الواحدة.

اليوم الحرب الدائرة في فلسطين ولبنان مازالت دائرة على أشدها رغم ما تعرضت له قوى المقاومة من اضرار جسيمة في بنيتها القيادية والسياسية والمجتمعية في استهداف حاضنتها الشعبية إلا أن الوضع الميداني على الارض مازال يقول إن المدافع اقوى من المهاجم وإن الدم أقوى من السيف ولو كثرت التضحيات وكانت عدة العدو غاشمة وكبيرة وغير محدودة.

اليوم على القوى الحية ممن تبقى من شعوب عربية أحاط بها اليأس والإحباط ان تنفض عن كاهلها غبار الانكسار والمهانة والإذلال من انظمتها الخانعة البائسة العميلة وأن تقول كلمتها كما قال أحرار العالم من شباب ونساء ورجال وكهول. يجب على شعوب المنطقة أن تتخلى عن أثواب المذلة والخنوع والتشرذم والانقسام. وترص الصفوف. وتعلم أن الذئب المفترس سينال منها واحداً واحداً إن لم يتعاونوا على ردعه. فلا يفل الحديد إلا الحديد.

العدد 1140 - 22/01/2025