لا جثث
د. أحمد ديركي:
ما زال العدو الصهيوني مستمراً بحرب إبادة الشعب الفلسطيني، وتحديداً المقاوم منه، والشعب اللبناني، وتحديداً المقاوم منه.
حرب إبادة يدعمها العالم برمّته، فما من نظام سياسي ولا دولة أدانت وقامت بأفعال جدية، تتخطى الإدانة اللفظية، سوى قلة قليلة من هذه الدول، لوقف هذه الإبادة.
نعم، هي حرب إبادة جماعية لكل مقاوم أو حاضن للمقاومة.
عدو صهيوني مزود بأحدث أسلحة القتل الأمريكية الصنع، وما يتمم آلة القتل هذه من تقنيات أوربية، واستثمارات أموال النفط العربية لتطوير آلة القتل الأمريكية، وأجهزة مخابرات العالم تفتح أبوابها لتزويد العدو الصهيوني بكل ما يحتاجه من معلومات، ودول عربية مطبعة معه تفتح حدودها له وتغلقها بوجه الشعب الفلسطيني، ومؤسسات دولية تشرع له قتل من يشاء وفي أي مكان يشاء…
يا لهول هذا الدعم العالمي غير المحدود لعدو يحتل أرض فلسطين يذبح شعبها، بواسطة هذا الدعم العالمي الذي يتلقاه، ويستكمل جرائمه في لبنان، والمخزي أن هناك أصواتاً في لبنان وفلسطين تبرر أفعاله الإجرامية! طبعاً هناك أصوات في كل أنحاء العالم تبرر أفعاله الإجرامية، لكن الحديث هنا عن لبنان وفلسطين فقط لأن المقاومة فيهما فعلية لا لفظية فقط.
كل من يبرر أفعال هذا الكيان الصهيوني، أو حتى حقه بالوجود على أرض فلسطين، فهو خائن للقضية الفلسطينية، وصهيوني الهوى يجب قتله. نعم، يجب قتله لأن كل حامل للفكر الصهيوني، أو يؤيده، أو يتعاطف معه، ليس بإنسان بل وحش بشري يتغذى على دم الإنسان الحر.
فالحركة الصهيونية ربيبة الاستعمار الأوربي الرأسمالي، منذ أن غرستها قوى الاستعمار الأوربية على أرض فلسطين وهي ترتكب جرائمها بحق الشعب الفلسطيني والاستعمار الأوربي يدعمها بارتكاب جرائمها. بعد أن انهارت أوربا بوجهها الاستعماري المباشر تولى رعاية هذا الكيان الصهيوني الولايات المتحدة الأمريكية.
من هنا الكيان الصهيوني كيان غير شرعي يقوم على أرض فلسطين ليكون الممثل وأداة الامبريالية العالمية في العالم العربي، ومن حق الشعب الفلسطيني مقاومته وقتله، وكذلك من حق الدول العربية أن تشن حروبها عليه لتحرر أراضيها، بعد أن تخلت عن فلسطين، واستكان بعضها للشرعية الدولية، وهي شرعية تبرر لا شرعية الكيان الصهيوني، وبعضها التحق بالكيان الصهيوني ليدعمه أكثر بالقضاء على الشعب الفلسطيني وأي شكل مقاوم لهذا الكيان.
ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة للشعب الفلسطيني، وتحديداً مقاومته، وكذلك مقاومة الشعب اللبناني، هو تعبير عن فكر الإمبريالية العالمية الساعية إلى إعادة تقسيم العالم، ومنها العالم العربي، ليصبح العالم العربي مجرد دويلات متناحرة يهيمن عليها الكيان الصهيوني، وتنهب ثرواتها من قبل الامبريالية العالمية. فدور الكيان الصهيوني في المنطقة كدور مدير يحمل فكراً رأسمالياً مخلصاً لمؤسسة رأسمالية!
ها هو الكيان يقوم بمهمته الإجرامية ليحقق مصالح المؤسسة الرأسمالية، وفي لبنان من يقول أن الحرب فرضت علينا، والنأي بالنفس ممكناً، ويجب التفاوض مع الكيان لإحلال السلام…! أيها الصهاينة الناطقين بالعربية الكيان الصهيوني من يحتل فلسطين ويذبح شعبها. الكيان الصهيوني من يرتكب جرائم ضد الإنسانية. الكيان الصهيوني من يحتل أراض لبنانية. الكيان الصهيوني من يوسع احتلاله في فلسطين ولبنان. الكيان الصهيوني من ارتكب، عند نشوئه، مجزرة حولا في جنوب لبنان، بتاريخ 31 تشرين الأول من عام 1948، بقيادة مناحيم بيغين لعصابات (الهاغاناه) التي قتلت سبعين من أبناء الأهالي. هجوم جاء ردّ فعل على معركتَي القعدة والعبّاد اللّتَين جرتا قبل ذلك بأيام، وانتصر فيهما جيش الإنقاذ العربي وأهالي حولا على الصهاينة لدى محاولتهم احتلال أطرافها، موقعين 33 جندياً منهم. كانت أصداء الانتصار لا تزال تتردّد في حولا يوم 31 تشرين الأول 1948، قبل أن تهاجمها العصابات الصهيونية بعد الظهر. أقفلت مداخلها وجمعت شبانها ورجالها ونساءها وأطفالها داخل ثلاثة من بيوتها وأعدمتهم بإطلاق النار عليهم من الرشّاشات. قبل أن يدور أفراد العصابات عليهم واحداً واحداً، مطلقين رصاص مسدساتهم على رؤوس الشهداء للتأكّد من موتهم. لم يكتفوا بذلك، بل عمدوا بعدها إلى نسف البيوت الثلاثة بالمتفجرات.
الكيان الصهيوني من ارتكب مجزرة قانا الأولى في 6 نيسان عام 1996، عندما لجأ أهل قانا إلى مراكز اليونيفل للاحتماء من قصف الكيان للبلدة، فقصف الكيان مراكز اليونيفل فسقط 175 شهيد و 300 جريح. كلهم أطفال ونساء وشيوخ. والثانية عام 2006، والثالثة في تشرين الأول من عام 2024.
الكيان الصهيوني من يسرق مياه نهر الليطاني ويمنع (الدولة) اللبنانية من استخدام مياه النهر. الكيان الصهيوني من يرفض الاعتراف بالأراضي التي يحتلها ويرفض الانسحاب منها…
ومن ثم يأتي متصهين ينطق بالعربية ليقول لنفاوض الكيان سياسياً لنحقق السلام! أي سلام تتحدثون عنه أيها الخونة. أي سلام مع كيان يرتكب جرائمه اليومية ضد كل من يقول له أنك كيان محتل لأرض ليست أرضك! مجرد هذا القول، قبل الوصول إلى فعل المقاومة، يقتله الكيان.
كيان يبيد شعب، منذ أن زرع على أرض فلسطين، ويستكمل فعلته الإجرامية حتى اليوم مستخدماً آلة القتل الأمريكية وأموال النفط العربية، وخيانة الأنظمة العربية غير النفطية لعدم مقاومته إلا ببيان استنكاري مكرر العبارات، ويمزق كافة القوانين الدولية ويهين الأمم المتحدة من مركزها، ويمنع أمينها العام من زيارة فلسطين… كل هذا مبرر للكيان وتأتي أيها العربي المتصهين لتقول لنفاوض وفقاً للقوانين الدولية!
كيان يستخدم الأسلحة المحرمة دولياً، على مرىء العالم، لقتل الشعب اللبناني، وتحديداً المقاوم. كيان ألقى على مساحة لا تزيد مساحتها عن نصف كيلومتر مربع ما وزنه 80 طن من القنابل المتفجرة، ومسيراته تمنع اقتراب الصليب الأحمر وسيارات الإطفاء والدفاع المدني من الاقتراب إلى المنطقة التي قصفها لانقاذ الجرحى، وها هم ينزفون حتى الموت لعدم قدرة أحد على انقاذهم لأن من يقترب منهم تقصفه المسيرة التابعة للكيان! وبعد أيام قليلة قام بفعلته مجدداً، وهي محاولة اغتيال ثانية. فألفى ما يزيد عن 80 طن من القنابل المتفجرة والخارقة للحصون على مسافة تبعد أقل من كم عن الموقع الأول. وما زال يحاصر الموقع الأول والثاني بالمسيرات منذ قصفهما مانعاً الاقتراب منهما!
كيان يستخدم آخر ما توصلت إليه آلة القتل الأمريكية كي يدمر مبان من عشرة طوابق وأكثر ليدمرها، محولاً إياها إلى تراب، لا ركام، ويقتل كل من فيها، من أطفال ونساء وشيوخ، محولا جثثهم إلى تراب يختلط مع تراب المبنى وتختفي معالم جرائمه. فتنعدم معرفة من كان بالمبنى. المبنى يتحول باستخدام آلة القتل الأمريكية الصنع إلى تراب وتختفي الجثث. نرى مبان من عشرة طوابق أو أكثر تحولت إلى تراب بلا جثث!
أيها العربي المتصهين كيف يمكن أن تفاوض مع كيان يحاصر قرى لبنانية ويقصف كل من يحاول أن يصل إليها ليقدم لها مساعدات إنسانية، ولو كانت هذه القافلات تحمل اشارة الصليب الأحمر الدولي أو منظمات عالمية! فالحصار ومنع الطعام والماء من الوصول إلى المحاصرين ليموتوا عطشاً إن نجو من القصف المستدام وسيلة اجرامية اعتيادية الاستخدام من قبل الكيان الصهيوني وحلفائه.
كل من يحمل الفكر الصهيوني، أو يؤيديه، أو يبرر أفعاله ليس بإنسان، بل حيوان مفترس على هيئة بشر يتغذى على دماء البشر الأحرار لذا من الضروري قتله. لا قتله فقط بل وقتل نسله أيضاً. فهو حيوان لا يفرق بين طفل وإمرأة ومسن، وقتل نسله أيضاً. كي يتحقق السلام لا بد من إبادة هذا الحيوان المفترس على هيئة بشر.
فعل مقاومة الكيان الصهيوني، والفكر الصهيوني، ومؤيدي الفكر الصهيوني، فعل ملزم لكل إنسان حر يؤمن بحرية الإنسان وحقه بالحياة الكريمة. فهذا الحيوان المفترس بهيئة إنسان ربيب الاستعمار الأوربي والإمبريالية العالمية يجب إبادته لأنه أحد الأدوات التي يصنعها نمط الإنتاج الرأسمالي. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب أن يترافق فعل المقاومة، بكافة أشكالة، بمقاومة نمط الإنتاج الرأسمالي، بكافة صيغة، لأنه نمط يولد هكذا حيوانات مفترسة على هيئة بشر. فالقضاء على الكيان الصهيوني، وتحرير فلسطين منه وبقية الأراض العربية المحتلة لا ينفصل عن تحرير الشعوب العربية من أنماط الإنتاج الرأسمالية وإلا أعادت هذه الأنظمة دعمها للحيوان المفترس على هيئة إنسان. فالمقاومة هنا تحمل وجهان فهي مقاومة ضد هذا الكيان وفي الوقت عينه ضد العربي المتصهين. ولا يكتمل فعل المقاومة إن لم تكن مقاومة تربط التحرير بالتغيير.