ماذا في جعبتنا على أبواب الذكرى المئوية لتأسيس حزبنا الشيوعي السوري

 يوسف فرحة:

عندما تأسس الحزب الشيوعي السوري اللبناني مع بدء انطلاق الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي كانت سورية و لبنان تمثلان قلعتي الحرية و التقدم في المنطقة العربية من حيث عدد المفكرين والسياسيين والأدباء والشعراء في تاريخنا – البداية كانت من مثقفين وعمال نقابيين حملوا مشعل الفكر الاشتراكي والشيوعي مناضلين تأصلت فيهم القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية التي بدأ اشعاعها من الفكر الاشتراكي في سورية ولبنان ومن مصر العربية نذكر هنا المفكر اللبناني شبلي شميل، ومن مصر خالد محمد الخالد، وكذلك رائد الاشتراكية العربية سلامة موسى مؤسس الحزب الاشتراكي المصري عام 1921، مع علي العناني ومحمود حسني العرابي  ومحمد عبدالله عنان – وتأثير إشعاع ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا وكشف اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة العربية

من الرفاق المؤسسين الأوائل للحزب الشيوعي السوري اللبناني النقابي فؤاد الشمالي من مصر مؤسس أولى النقابات العمالية في فلسطين ولبنان، والرفاق يوسف خطار الحلو، وإبراهيم يزبك، أرتين مادويان، ناصر حدّة، وانضمّ إلى هؤلاء المؤسّسين، في السنوات الأولى بعد التأسيس الرفاق: نقولا شاوي، فرج الله الحلو، جورج حاوي، رشاد عيسى، خالد بكداش، وآخرون كثر- خاض حزبنا معارك النضال الوطني الى جانب الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي حتى الاستقلال، ومعارك الديمقراطية في الخمسينات من القرن العشرين، فقد توسع الحزب بشكل كبير في معظم المدن والريف السوري بسبب وجود مناضلين وقيادات شعبية عاشت بين الكادحين – ومعهم، تطور النضال من أجل الحياة الحرة الكريمة لعمالنا وفلاحينا وجميع الكادحين معلمين وأساتذة وطلاب وحرفيين ومن أجل حقوق المرأة.

رغم الاوقات العصيبة التي مرت على سورية خلال النضال ضد الاستعمار والأحلاف الاستعمارية ومحاولات فرضها على بلادنا ما بعد الاستقلال – نجحنا عام 1954 في إيصال شيوعي إلى عضوية البرلمان السوري هو الرفيق  الراحل  خالد  بكداش وكان أميناً عاماً للحزب– حتى جاءت مرحلة الوحدة السورية المصرية وما رافقها مع بدء الحملة الأمنية الظالمة على الشيوعيين والاعتقالات والتعذيب الوحشي الذي مارسته الأجهزة الأمنية على المعتقلين من رفاقنا وأصدقائهم. دفعنا الكثير من أرواح رفاقنا شهداء، وسيبقى التاريخ يسجل بأحرف  من نور أسماء الرفاق شهداء الحزب الرفيق فرج الله الحلو والرفيق سعيد الدروبي، ولن ننسى عذابات الرفيقات والرفاق في سجون مختلف السلطات القمعية، ومنهم عبد القادر الإخوان عام 1963 والرفيق أحمد الزعبي أوائل السبعينيات.

– وجاءت مرحلة التحالفات وتوقيع ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 التي سعى الحزب تاريخياً لها، مما فتح آفاقاً جديدة أمام تطور سورية، وقد لعبت الجبهة دوراً مهماً في المجال السياسي والاقتصادي عبر مؤتمراتها ونضال أحزابها – حتى أواخر السبعينيات حين بدأ التآمر على سورية بعد حادثة قتل طلاب كلية المدفعية من قبل الإخوان المسلمين. قدم حزبنا خلالها شهداء بمواجهة الإرهاب منذ الثمانينيات وحتى اليوم، لن ننسى الرفاق الشهداء نزيه الجمالي وعمر عوض أبو سلام والرفيق الدكتور إبراهيم قندور وآخرين كثر_ لأرواحهم السلام.

إن المعاناة التاريخية لكوادر حزبنا واضطهادهم، ومنهم المعلمون الذين شُرّدوا ونُقلوا إلى وزارات أخرى، وفصل عدد من الرفاق العمال من عملهم لسنوات – والحملة على رفاقنا في اتحاد الشباب الديمقراطي – المنظمة الواسعة التي كانت ترفد الحزب بالكوادر الشابة، أدت هذه السياسة الى إضعاف عمل الحزب بين الجماهير قبل أن يعاود الرفاق العمل على مختلف الجبهات لعودتها إلى الحياة، تجلّى ذلك مؤخراً بجهود رفاقنا الشباب أيام الزلزال وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين.

إن الحرب الإرهابية التي شُنّت على سورية وتدمير معظم البنى التحتية والمنشآت التعليمية والمشافي إلى جانب العقوبات والحصار الاقتصادي الظالم المفروض علينا من قبل الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ترك آثاراً سلبية خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب السياسات الليبرالية في الاقتصاد التي أدت إلى تراجع أداء قطاع الدولة وعرض معظم مؤسساته للاستثمار من قبل القطاع الخاص، ترافق ذلك مع انخفاض قيمة الليرة السورية والارتفاع الجنوني للأسعار، وقد انعكس ذلك على حياة الشعب السوري الذي وصل أكثر من 85% منه إلى حد الفقر المدقع، وتكرست انقسامات خطيرة غريبة على مجتمعنا أدت إلى حالة من الفلتان الأمني في المدن والأرياف، كما سيطرت مجموعات من الفاسدين اللذين اغتنوا من دم الشعب السوري على مفاصل هامة في الدولة والاقتصاد.

– بعد أكثرمن عام من كارثة الزلزال مازال بعض الأهالي المتضررين يعيشون في بيوت مهددة بالسقوط وانعدمت المساعدات التي سُرق معظمها بالأصل– مع استمرار نهب الوطن والمواطن على مدار الساعة، وبالتالي فإني أرى أن على الحزب مهمة كبرى أن يرفع  الصوت للوصول إلى نتائج ملموسة في مكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة.

رغم تجربة حزبنا الشيوعي السوري الموحد الغنية فإننا نفتقر إلى وجود قيادات شعبية جماهيرية، فكيف يمكن لنا تطوير العمل الجماهيري وتقوية منظماتنا ورفاقنا في المدن والارياف ونحن لا نملك أية وسيلة اعلامية سوى جريدة (النور)؟ كيف يمكن أن نطور عملنا في هذه الظروف المعقدة؟ هذه بعض الأمثلة أوردها للإفادة منها في توجهات الحزب اللاحقة لتطوير عمل الحزب الداخلي ومع الحلفاء والقوى السياسية المختلفة والابتعاد عن العمل البيروقراطي والانطلاق إلى الرفاق والناس وملاقاة مطالبهم المحقة بشكل علني وصريح، وأطرح بعض الآراء لتطوير عمل الحزب اللاحق :

تبقى القضية الفلسطينية هي بوصلة النضال السياسي التاريخية لحزبنا يضاف إليها اليوم مهمة طرد الاحتلالات الأمريكية والتركية والصهيونية وتطهير الأرض السورية وتحرير الجولان هي المهمة الأولى والأساسية لإنهاء الوضع القائم في الشمال السوري ووقف نهب النفط والقمح السوري والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة دون أن نلمس إجراءات فعالة من الحكومة السورية للرد ودعم مقاومة شعبية حقيقية لتحرير أراضينا المحتلة وإنهاء وضع إدلب التي أصبحت تشكل دولة ضمن دولة تضم كل قوى الإرهاب الذي ساهمت بتدمير سورية ومتابعة نضالات الحزب الطبقية والوطنية عبر أجندة واضحة دون مواربة ترتكز إلى قواعد الفكر الماركسي اللينيني وعدم التنازل عن حقنا المشروع بالدفاع عن قضايا الكادحين من شعبنا والمصارحة على صفحات جريدة الحزب ليس بالتمني على الحكومة، وإنما بتحميل المسؤولية الكاملة لأصحاب القرار على كل المستويات عن كل ما يجري من تجويع وهدر للكرامة بحق الشعب السوري العظيم، وأنا أقدر عالياً عمل رفاقنا الصعب والهام في الجريدة وقيادة الحزب وفي مختلف مواقع المسؤولية، ولكن لابد من تسجيل ملاحظة غياب مشاركة أغلب أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية في النشر على صفحات جريدة (النور).

– إن عدم الرد على مطالباتنا واقتراحاتنا ماضياً وحاضراً من قبل الحليف إنما هو استهتار وتجاهل متعمد لميثاق التحالف الجبهوي الذي يحملنا جميعاً أحزاباً ومنظمات المسؤولية الكاملة عما يجري في البلاد مما أدى الى فقدان جماهيرية أحزابنا في الجبهة وتراجع الحياة السياسية في البلاد، وهذا يطرح ضرورة تطوير العلاقات الراهنة بين أحزاب الجبهة والاهتمام باقتراحاتها في ظل الواقع الراهن حتى الوصول إلى حل سياسي للقضية السورية – لذلك أرى أن على الحزب ضرورة التأكيد على شعار وجه الحزب المستقل والتركيز على الموقف الطبقي والوطني ومتابعة النضال ضد السياسة الليبرالية التي دمرت البلاد وأفسدت كل مظاهر الحياة وحولت الشعب إلى جياع من أجل حفنة من البيروقراطيين والطفيليين المتحكمين بعمل الحكومات المتعاقبة.

لنعمل أيتها الرفيقات والرفاق من أجل حياة تسودها العدالة والديمقراطية والعلمانية بعيداً عن سياسة وزارة الأوقاف ومؤسسات الدين السياسي الذي لم ولن يكون محايدأ أو معتدلاً والعمل لإطلاق الحرية لأحزابنا الوطنية والطبقية – لنعمل معاً من أجل حياة حرة كريمة للشعب السوري العظيم ومن أجل وطن معافى لكل أبنائه على الساحة السورية لإنصاف شعبنا الذي ضحى من أجل أن تبقى سورية موحدة عصية على الأعداء.

التحية والتقدير لحزبنا الشيوعي السوري الموحد قيادةً وقواعد!

السلام والخلود لأرواح شهداء الحزب والوطن!

عاشت الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري اللبناني حزب الجلاء العظيم!

5/10/2024

العدد 1140 - 22/01/2025