ماذا حصل في مصياف؟!! دروس وعبر
علي شوكت:
بعد أن زفّت مدينة مصياف كوكبةً من شهدائها الأبرار، بتشييع مهيب وحزن كبير وصبر على البلوى،
وبعد أربعة أيام من العدوان الاسرائيلي الغاشم على مدينة مصياف ليلة 8/9/2024، في تمام الساعة الحادية عشرة والثلث ليلاً، الذي امتد حتى ساعات الفجر؛ وكان عملاً عدوانياً معقّداً خلّف مجزرة كبيرة راح ضحيتها عشرات من الشهداء والجرحى، بدأت تتكشف حقائق وخفايا كبيرة ومحبطة.
فبعد أن كشفت مواقع إعلامية غربية، كان أهمها موقع (أكسيوس) الإخباري و(نيوزويك) الأمريكية، أخباراً عن العملية العسكرية، بدأ الإعلام الصهيوني وبعض القنوات الغربية والعربية بالحديث عن تصورات وسيناريوهات عن بعض تفاصيل العملية التي وصفتها بالمعقدة والكبيرة وغير المسبوقة في عمق الأراضي السورية، على حد قولها، دون أن يكون هناك إعلان وتبني رسمي من قبل العدو الإسرائيلي.
كل ذلك يضعنا أمام تساؤلات مشروعة نريد من خلالها معرفة الحقيقة، نحن كشعب صبر وضحى وقاوم قوى الإرهاب التكفيري وقوى العدوان الغربي والتركي والامريكي والصهيوني خلال ثلاثة عشر عاماً من عمر الأزمة والحرب والقصف ومئات الاعتداءات الصهيونية المتكررة على سورية ومازال هذا الشعب صامداً ويقدم التضحيات.
ما جرى كان كارثة حقيقية ومجزرة مع سابق الإصرار.
إذ كشفت قنوات العدو وشركائها من الفضائيات العربية ومحلليها العسكريين عن تفصيلات مهمة، بقت مغيّبة عنّا، نحن أهل الشهداء والجرحى والشعب السوري بكل أطيافنا، رغم مواكبة الإعلام السوري للحدث على قناتي الإخبارية والفضائية السورية الرسمية.
ربما غاب عن ذهن من غيّبها أن الحقائق ستتكشف وأن الروايات_ صحيحةً كانت أم لا_ ستنتشر بعد فترة من الزمن.
وربما غاب أيضاً أن العدو سيروي قصته كيفما أراد، في ظل غياب الرواية الرسمية السورية، ويضعها أمام امتحان صعب أمام جمهورها. وهنا تكمن أهمية أن تؤخذ في الحسبان الحالةُ النفسية للمواطنين وتعطشهم للخبر الرسمي الذي يدعم صمودهم.
ما يحزّ في النفس والقلب فعلاً، بعد تلك الكوكبة من الشهداء والجرحى، أن يتركنا إعلامنا فريسة سهلة ولقمة سائغة في فم الإعلام المعادي، ويجعل الكثير من الناس تتابع ما يقول عن تفاصيل ما جرى. فيكون بذلك قد حقّق عدة أهداف بضربة واحدة؛ أولها عندما اعتدى وهجم وضرب في عمقنا السوري وقتل من قتل ودمر ما دمر وأخذ ما أخذ (حسب المعلومات المتداولة). وثانيهما عندما تُرِك الناس لمصيرهم تتقاذفهم التكهّنات والتوهمات والشائعات والأقاويل وتجعل الحاضنة الشعبية تميل إلى تصديق رواية العدو.
لماذا لا تستطيع القوى المنوط بها حماية البلاد عسكرياً وسياسياً، ومن يمنعها من أن تعلن عن حقيقة ما جرى وأن تستبق روايات العدو. حتى لو أنها أخفقت هنا وقصرت هناك وتلكأت في مكان آخر؟! لماذا لا تجري محاسبة من قصر ومعاقبته على تقصيره؟!
استمرت العملية الاسرائيلية زهاء أربع ساعات متواصلة، وضربت عدة مواقع في وقت واحد لتشتيت الانتباه.
وقطعت خلالها الطرق المؤدية إلى المكان المستهدف، ومنعت آليات فتح الطرق وأطقم الاسعاف والإطفاء من الوصول، باستهدافهم بشكل مباشر ومتواصل على مدار العملية العسكرية، ما أوحى بأن هناك عملاً عسكرياً كبيراً يحدث.
ربما تكون العملية العسكرية الإسرائيلية قد فشلت، وهذا ما يرجح ويرشح من معلومات رغم التهويل الإعلامي. وربما تكون قد حققت بعض الأهداف. لكننا كنا وما زلنا بحاجة إلى الرواية الرسمية السورية، في الوقت الصعب والظرف الأصعب، كي نشعر أن موقفنا هو الأقوى مهما تكالبت علينا قوى العدوان.
لقد كنا مشاريع شهادة على بُعد لحظات وخطوات قليلة، لو لم يسعفنا الحظ وأن ساعتنا لم تحن بعد.
نحن ككادر خدمي مسؤول في المدينة، وهذا شرف لم ننله. ولولا التنبّه لخطورة الموقف والتريث بمواصلة عمل الآليات في التقدم لكانت حصيلة المجزرة أكبر وأثقل ليس فقط على أهالي من ارتقوا من الشهداء والجرحى، بل على عموم الشعب والوطن، فليست أرواحنا أغلى ممن سبقنا إلى الشهادة.
هناك أسئلة كبيرة تُطرح لا على مستوى أهل المدينة فقط، بل على مستوى كل الشعب.
لماذا لم تسارع الوحدات العسكرية إلى المكان وتشكّل طوقاً عسكرياً وأمنياً، لأن المنطقة أصبحت منطقة عمليات عسكرية.
ولماذا فشلت منظومة الرصد والإنذار؟! ولماذا لم يقُم الأصدقاء بما يترتّب عليهم من واجب.
وأين قوات حماية المواقع الحساسة؟!
عشرات الأسئلة تبحث عن أجوبة رسمية مقنعة، ولو أنها فعلت ما يترتب عليها، لكانت كسبت بذلك ثقة شعبها بأنها ستتلافى التقصير والإخفاق وتعزّز وترفع مستوى الحيطة والحذر.
فليستقِل من لم يقُم بواجبه تجاه بلده وشعبه، أو يُقال بعد أن تجري محاسبته أمام الجميع. وليس مبرراً لأحد أن يقول إن العدو يمتلك أحدث أنواع أجهزة تكنولوجيا التشويش والمراوغة. فالناس لم تعد تحتمل ما تعتبره إهانة بحق وطنها بعدم الرد على الإعتداءات المتكررة. الناس ليسوا أغبياء، وشهداؤنا وجرحانا ليسوا حطباً للحرق، وأهلهم ليسوا أوراقاً لا قيمة لها.
هم مواطنون أولاً من لحم ودم ومشاعر، وهم عماد هذه الأرض، وهم حُماتها وبُناتها وأهم أسباب بقائها وصمودها ووجودها وملح ترابها.. فلا تجعلوا الملح يفسد!
تحية لمجلس مدينة مصياف وكوادره وعماله الذين كانوا في مقدمة العمل الميداني وعلى خطوط النار!
تحية لكل من شارك في عمليات الإنقاذ والإطفاء وإعادة ترميم آثار العدوان من جميع مديريات محافظة حماه!
الرحمة لجميع الشهداء مدنيين وعسكريين!
والشفاء العاجل للجرحى!