حضور المرأة في الحياة

سعيد بشتاوي:

أَكادُ أقرُّ بأنّ المرأةَ ملحُ هذه الحياة، كما ملح الطعام؛ إذ زيادة كميته أو إنقاصها سيؤدّي بالضّرورة إلى إحداث خلل في نكهة الطعام، وكذا المرأة في الحياة، إنّما هي ملح للحياة، وعليها يقوم توازنُ الحياة بتوازن وجودها.

إنَّ معظمَ ما تُرِك من تراث أدبي وفنّي وشعبي، لا يكاد تسعون بالمئة منه يخلو من المرأة، فعلى صعيد الأدب يشكّل الغزل بالمرأة والحديث عن معاناة التعلّق بها أو معاناة صدّها أو خيانتها غالبيةَ الشعر العربي، وكذلك الحال في الفن؛ إذ إنّ أغلب الفنون قد غطّته المرأة سواء في مدحها أو ذمّها.

على أية حال هذا ليس تحليلاً وإحصاءً لنسبة وجود المرأة فيما ذكرت، وإنما دليل على رئاسة المرأة في هذه الحياة.

إذا طالعنا شعر الغزل الفاحش منه والعذري سنجد أن المرأة إما أن تجعلَ الشاعرَ – الرجل مقبلاً على الحياة وإمّا كارهاً لها، ولذلك فإنها؛ أي المرأة دفّةُ هذه الحياة، فإمّا أن تأخذ بالرجل إلى شاطئ المتعة والراحة والسعادة، وإما أن تلقيه في وسط البحر يموت في ظلماته وأعماقه اللامتناهية.

إذاً، إن المرأة التي تؤدّي وظيفتها كونَها امرأةً هي التي تجعل الصخرَ ماءً والظلام صباحاً، هي التي تجعل الرجل ينطلق إلى الشمس وإن كانت بعيدة، هي التي تسيّس حياته، فبيدِها تجعله رجلاً حقيقيّاً وبيدها تجعله رجلاً فارغاً، فلا هو يتمتّع بها ولا هي تتمتّع به.

وبهذا يقول قيس مجنون ليلى:

وأنتِ التي إن شئتِ أشقيتِ عيشتي

وإن شئتِ بعد الله أنعمتِ باليا

وهنا أسوق فصلاً من ملحمة (جلجامش)، فقد كان أحد أبطالها وهو (إنكيدو) جسداً من إنسان ومن حيوان في آن واحد، وكان يصاحب الغزلان والثيران ويروح ويغدو معهم في مأكلهم ومشربهم، حتى رآه صيادٌ، فعاد الصياد إلى أبيه يروي له أن (إنكيدو) لا يصادق إلا الحيوانات وأن طبيعته طبيعةُ حيوان بهيئة بشر، فأشار الأب لابنه الصياد بأن يضع امرأةً في طريق (إنكيدو) وأن تقهره بقوّتها الأنثويّة وتطوّعه.

تعترض هذه المرأة طريق (إنكيدو) فيتعرّف عليها، ويبقى معها ستة أو سبعة أيام يضاجعها ويشرب معها الخمر ويستمتع بها وتستمتعُ به، وكانت قد كسته هذه المرأة من ثوبها وسبّلت شعره المجعّد ودهنته بالزيت، هكذا حتى صار (إنكيدو) من جنس البشر.

هذه القصة من ملحمة (جلجامش) شاهد كبير على أثر المرأة في الحياة، فهي التي تجعل من الرجل حيواناً أو تجعل منه إنساناً كما فعلت هذه المرأة بإنكيدو وأعادته إلى مجتمع البشر والإنسان.

وكذا الحال عند نزار قبّاني – الشاعر الرجل الذي جعلته المرأة طفلاً يرتّب دفاتره ويقلّم أظافره، وتحتوي على جنونه وتدخله روضة الأطفال وهو ابن الهمّ السياسي والاجتماعي، كأن بنزار إنكيدو الثاني، يقول:

أشهد أن لا امرأة

أتقنت اللعبة إلا أنتِ

واحتملت حماقتي

عشرة أعوام كما احتملتِ

واصطبرت على جنوني مثلما صبرتِ

وقلّمت أظافري

ورتبت دفاتري

وأدخلتني روضة الأطفال

إلا أنتِ..

حضور المرأة فيما أوردتُ لا يعني أنّها موجودة حصراً في الأدب والفلسفة، بل وجودها في كل منحى من مناحي الحياة، ويبقى الأدب والتاريخُ شاهدَين على ذلك.

العدد 1140 - 22/01/2025