ضاقت حتى استحكمت
وعد حسون نصر:
أحلامنا، أمنياتنا وطموحاتنا، نحن السوريين، ضاقت بنا واستحكمت بمدى الحلم، تقلّصت طموحاتنا واتجهت بنا نحو هدف مختلف تماماً عن هدفنا المنشود. حتى نفوسنا تغيّرت وباتت تخشى الفرح، تخشى التغيير!
لم تعد تجمعنا مناسبات الفرح ولا الترح، بيوت أُغلِقت ورحل قاطنوها، فاستقر الغبار على الأثاث بدلاً عنهم. بعض الأراضي طُوّبَت أو سُجّلت بغير اسم أصحابها بحجّة الدمار أو موت مالكها. لم يُحرم منّا بحر ولا سهل ولا جبل، فلكل منهم نصيب من عدد الجثث!
سوريون ضاقت أحلامهم حتى انحسرت وانحصرت بلقمة خبز وساعة كهرباء ونسمة هواء.. قرارات تلو القرارات تُملى وتُتلى ونحن من يتخبط بنتائجها كفأر تجارب بين أيدي مسؤولي البلاد! حتى الطالب في بلدي قد قلّص حلمه بالتفوق للنجاح فقط، ولو من دون علامات علّه يحصل على شهادة تخوّله مغادرة البلاد بعد أن صارت الجامعة العامة حلم أبناء الفقراء، والخاصة طُوّبت للأغنياء. وجوه صفراء شاحبة تغزو الطرقات باتت ابتسامتها من المحرّمات، إذ كيف لنا أن نبتسم وفي رؤوسنا تجول آلاف الأفكار، وفي صدورنا نار من التنهّدات على حياة غدرت بنا وأغرقتنا وأضاعت قوارب النجاة لدينا!
لا داخل الوطن ولا خارجه أُنصف شبابنا، فمن خرج هارباً من نيران الأزمة أضحى لاجئاً ويحتاج مليون قرار ليرجع، وأهمها خدمة العلم والبدل والمبلغ المُقدّر بالدولار، كذلك الأوراق الثبوتية وما تحتاجه من تدقيق وتعديل لتثبت وطنتيه، ويا حسرة إن كان من مناطق النزاع من يختم على براءته! كم من أم سورية أنجبت أولاداً ذكور بالمعنى الدارج ليكونوا لها عوناً على الحياة، وبين عشية وضحاها منهم من مات بنيران الأزمة ومنهم من فُقد بغدرها ومنهم من هُجّر بقسريتها، حتى باتوا صوراً على الجدران وفي الأحلام وعلى شاشات الجوالات. وكم من أب كان طموحه بيتاً مليئاً بالأحفاد، لكن الأولاد غابوا وغابت معهم كلمة (جدّو)، ولم تعد جيوب الاجداد تحفل بسكاكر الحب وخرجية العيد لأولئك الأحفاد.
سوريون وما أدراك ما معاناتنا بين لقمة العيش وإيجار مكوثنا تحت سقف منزل يحضن أوجاعنا بعد أن دُمّرت بيوتنا. وبين تربية أولادنا ومصروفهم وتعليمهم وأحلامهم، ضاعت حياتنا ونحن ننظر إلى غدنا بعيون فيها قليل من الأمل، حتى هذا الأمل هجر المُقل وأُعميت البصيرة وقلّت الحيلة، فغدا الأمل محصوراً بلقمة العيش فننهض من جديد ليوم عمل ومشقّة لا منتهية.
سوريون لا حلم لنا إلاّ الخروج من البلاد بعد أن ضاقت علينا وضاع منّا الأمل فيها، ضاقت أحلامنا حتى استحكمت على رقابنا واختصرناها بالتسليم لكل شيء وبكل شيء، فباتت الكلمة السائدة على لسان الجميع: (الله يفرج) التي اختصرت كلاماً كثيراً ومعاناة أكبر بعد أن طُوّقنا بعجز طال كل الجهات، عجز عن الحلم، عن التفكير وعن العمل.. لا كهرباء ولا ماء مع أنها أبسط مقومات الحياة، فكيف لبلد أن ينهض بأربع ساعات كهرباء على مدار اليوم؟ وكيف لمواطن أن يعمل وعجلة العمل لا وقود فيها ولا تيار يديرها؟ وآخر الحلول حساب في مصرف ليصلنا كل آخر شهر مبلغ نقدي لا يكفي شراء الأساسيات.. أوهمونا أنه دعم لنا، لكنه دعم لخزينة الدولة من جيوبنا لتبقى عجلة الاقتصاد تُدار على حسابنا، لا همّ إن سُحقنا.. المهم أن تُدار لتنعش مسؤولي البلد، وإن داستنا فهذا طبيعي .. لأننا نحن السوريين بتنا خارج تصنيف البقاء على قيود الحياة لنأخذ من هذه الحياة عبارتنا المشهورة: ما باليد حيلة والله يفرج!