إعادة تدوير النفايات.. لإنقاذ الكوكب
فادي إلياس نصار:
عندما نعلم أن 70 في المئة من الورق الذي تصدّره فرنسا إلى العالم، ناتج من إعادة تدوير النفايات. وأن ستّاً، من بين كل عشر زجاجات بيرة يشربها الألمان، ناتجة عن إعادة تدوير الزجاج. وأن في البرازيل وحدها، يعمل أكثر من عشرة ملايين إنسان في فرز النفايات وإعادة تدويرها. وأن الصين ستنتج وحدها، بحلول عام 2025، أكثر من 600 مليون طن من النفايات، عندئذٍ، ندرك مدى أهمية عملية تدوير النفايات على كلٍّ من المستوى الاقتصادي والصحي والبيئي وحتى الاجتماعي والنفسي.
كما ندرك مدى ارتباط عملية إعادة التدوير بمكافحة الفقر. ولماذا تشجع معظم بلدان العالم، المبادرات الفردية والجماعية، لإعادة تدوير النفايات. وهنا سنسلط الضوء على عددٍ من المشاريع والمبادرات المتميزة، التي أثبتت نجاحاً باهراً:
البرازيل.. نموذج رائع
يسلط الفيلم الوثائقي (وايست لاند)، أو الأرض المفقودة، للمخرجة الإنجليزية (لوسي ووكر)، من خلال كاميرا المصور البرازيلي (فيك مونييز) الضوء على حياة جامعي النفايات (الكاتادورز) في أكبر مجمع مكشوف للنفايات في العالم، (جارديم جراماشــو_ (Jardim Gramacho، في ضواحي ريو دي جانيرو، أُنجز الفيلم كخلاصة مُركزة لعامين من التصوير الدائم، ثبت خلالها المصور كاميرته في المكب يراقب آلاف البشر (ممن يعيشون في أكواخ بجانب المكب)، وهم يقومون كخلية نحل بفرز ما يقارب عشرة أطنان من النفايات يومياً، ليتم تحويلها في النهاية إلى ثروة وطنية. في نهاية الفيلم يعبر هؤلاء البشر عن فخرهم بما يقومون به.. فكلٌّ منهم يكسب ما يزيد عن أربعة دولارات يومياً.
وتعد البرازيل رائدة على مستوى العالم في إعادة تدوير عبوات الألمنيوم، وتفوّقت في هذا الشأن على الاتحاد الأوربي وأمريكا. ويرفد هذا القطاع الاقتصاد البرازيلي سنوياً بأكثر من 1،3 مليار دولار.
ووفقاً لتقرير جمعية (ريسيكلا لاتاس) فإنه في عام 2022 وحده، أعيد تدوير نحو 450 ألف طن من عبوات الألمنيوم، ويضيف التقرير ذاته أن جهود إعادة التدوير في البلاد ساهمت في منع انبعاث نحو 17،2 مليون طن من الغازات الدفيئة في السنوات العشر الماضية.
وهذا وحده نصر كبير على الفقر وداعم حقيقي للبيئة.
تدوير الصابون في هاييتي!
في هاييتي، حيث لا شيء يفنى تماماً، وحيث يسترد الفقر كل شيء بطريقةٍ أو بأخرى، أطلقت شركه أنونويما أناكيوناAnónima Anacaona ، مبادرة لإعاده تدوير الصابون، كطريقة مثلى للحد من النفايات ولتوفير فرص عمل لكثير من النساء، اللاتي يعشن تحت خط الفقر.
الفكرة بسيطة جداً: تجري إعادة تدوير الصابون (الذي يعتبر عملياً غير صالح للاستخدام) الذي يتركه نزلاء الفنادق الفخمة، في البلاد. ويوجد اليوم في البلاد 25 فندقاً، تتعاون جميعها مع أصحاب هذه المبادرة، فيقوم العمّال كل يوم، بجمع قطع الصابون الصالحة لإعادة التدوير، يعقمونها ويذيبونها، ثم يضيفون إليها المعطرات، لتصبح جاهزةً مرةً أخرى للاستخدام، فتسلم في اليوم التالي، إلى الفنادق، مقابل مبالغ رمزية.
آلاف العائلات استفادت من المشروع، الذي ساهم في زيادة الدخل الوطني. ولعب دوراً هاماً في محاربة التلوث الرهيب، الذي يصيب البلاد؛ وفي التوعية الصحية، خصوصاً مع أزمة الكوليرا التي أصابتها.
كولومبيا.. الطوب البلاستيكي
توجد في كولومبيا، أكثر الأرياف فقراً في العالم. وقد قامت شركة Conceptos Plásticos، بمبادرة لإعادة تدوير كل الأشياء المصنوعة من البلاستيك، فتُطحن، وتُعالج، وتُذاب وأخيراً تُصقل لتخرج قطعاً من الطوب (اللِّبن) البلاستيكي، السهلة الاستعمال وقليلة التكلفة. وقد وجد الناس أن عملية التصنيع هذه، هي أفضل وسيلة للتخلص من النفايات البلاستيكية. وبفضل هذه المبادرة، يعاد يومياً استخدام 70 طناً من البلاستيك. ويحتاج كل منزل لبنائه، إلى نحو ستة أطنان، يسعى المسؤولون عن المبادرة، إلى تحويل 300 طن/شهرياً من النفايات البلاستيكية، إلى طوب جاهز للبناء.
هذا المشروع ساهم في تأمين المساكن الرخيصة، وحلّ مشكلة البطالة؛ وكذلك مشكلة التخلص من جبال النفايات، التي كادت تغرق مدينة كالي-كولومبيا.
إسبانيا.. إعادة تدوير الأحذية
أطلق المعهد الثانوي الأوربي في مدريد، مشروع حملة إعادة استعمال الأحذية المستعملة #RUNCYCLE. وتهدف الحملة إلى جمع 2000 زوج من الأحذية الرياضية المستعملة. وإرسالها إلى أطفال وشباب في جنوب موزامبيق، بدلاً من رميها في حاويات النفايات. الحملة انتهت في 20 حزيران (يونيو) الحالي محققة نجاحاً كبيراً، ما حدا بمدارس ومعاهد إسبانية أخرى، للإعلان عن حملات مماثلة.
تخلصوا من نوع آخر من النفايات. وأدخلوا البهجة إلى قلوب الأطفال الفقراء.
كمبوديا.. تدوير أكياس البلاستيك
قرر فريق عمل شعبي وحكومي في كمبوديا، إعادة استخدام الأكياس البلاستيكية من جديد، بعد تنظيفها وتجفيفها وقصها على شكل أوراق، لتتحول إلى ألعاب للأطفال، حقائب يدوية، إكسسوارات نسائية، أحذية وأحزمة، رافضاً بذلك اعتماد تقنية إعادة التصنيع، للتخلص من الكميات الهائلة من الأكياس البلاستيكية، فكانت المبادرة ناجحة جداً. ولاقت الفكرة رواجاً كبيراً.
فكانت نتيجة هذه المبادرة مدناً أنظف؛ وفرص عمل جديدة للأشخاص الذين هم تحت خط الفقر.
اليوم، تهتم منظمات البيئة والصحة العالمية والمنظمات غير الحكومية، في كل العالم، بتمويل وتشجيع مشاريع إدارة النفايات. ويجري اليوم تمويل أكثر من 300 برنامج للاستفادة من النفايات، في مختلف أنحاء العالم. وتقوم، حالياً، بلدان مثل الصين، أذربيجان، النيبال، ليبيريا، المغرب، البرازيل والأرجنتين، بالتوسع في تنفيذ برامج للاستفادة من النفايات وإعادة تدويرها، للخروج بملايين السكان من بوتقة الفقر والحفاظ على البيئة من التلوث.