بلا عنوان
رمضان إبراهيم:
السابعة والنصف صباحاً، نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار بعد أن صمتت ولم يعد عقرب الثواني بقادر على الحركة.. اغتصب ابتسامة مرّة ونهض ببطء بعد أن قرر استبدال البطارية ليعيد إليها تكتكتها، وبالتالي ليعيدها إلى الحياة.
دون قصد منه سقط نظره على التقويم المعلق بجانب الساعة، فقرأ على الورقة العاشر من شباط.
قبل خمسين عاماً بالتمام والكمال شهق شهقة الحياة الأولى، بعد أن تأخر قليلاً فيها كما روت له والدته.
يومذاك، خافت أمه كثيراً قبل أن تفقد وعيها لدقائق وهي تكابد أوجاع المخاض.
فجأةً، استيقظت وبدأت تلطم وجهها على حظها البائس، فمولودها الذي حملته تسعة أشهر مات لحظة ولادته.
لكن العجوز التي أشرفت على ولادتها أخبرتها بأن ما يجري لا يخرج عن نطاق المألوف، وكي تضع حداً لمخاوف الأم أمسكت المولود من قدميه وجعلته يتدلى، عندئذٍ شهق شهقته الأولى وبدأ بالبكاء، فيما كانت الأم ترفع يديها ابتهالاً وشكراً لله.
عاد ورمق والدته المريضة، وأحس بأن الموت يحيط بها من كل جانب.
اقترب منها، قبّل وجهها المتعرق.. أحس ببرودته.. أمسك يدها وقبّلها ثم رفعها ومسح بها وجهه، فيما ازداد التنفس بشكل واضح.
صديقه الذي بقي إلى جانبه طيلة محنته أخبره أن ما يجري لا ينذر إلا بشيء واحد. قالها وخرج لأمر ما.
الأم المستلقية أضناها المرض ولم تعد تقوى على الاستمرار في الحياة،
وكلما ازداد التنفس زاد خوفه وقلقه، مع أنه يعلم تماماً أن والدته تلفظ سويعات حياتها الأخيرة.
العاشر من شباط من كل عام تحضر له عائلته قالب الحلوى وتستعد لاستقباله فيما يسمى عيد الميلاد.
أسند رأسه على شجرة التين أمام المنزل، وكرّر ما قاله في الصباح: (أمّي قد تغادرني الليلة).
هل سيحدث ذلك حقاً؟ يا إلهي.. وفي يوم ميلادي.. أمي تعذبت كثيراً وشارفت على الموت في ذاك الصباح البارد وها هي ذي اليوم تكابد سكرات الموت!! قال ذلك ونظر إلى باب الغرفة حيث ترقد والدته.. خاف أكثر.. تمنى لو يتوقف الزمن كعقارب الساعة أو لو يمتلك أية حيلة لإبقائها حية ولكن دون فائدة.