شجون وذكريات حزبية
محمد انجيلة:
مسيرة طويلة وتاريخ طويل.. مئة عام ولم تتحقق الأهداف؟
أي حزب هذا الذي لا يزال ينسج خطاه، من صعاب وأهوال وتعرجات ونجاحات وإخفاقات!
أجيال كثيرة مرّوا عبر خلايا هذا الحزب العريق كعراقة التاريخ.
نعم، نحت أعضاؤه في الصخر.. جابوا السهول والهضاب، كم كان عظيماً إيصال الجريدة للرفاق والأصدقاء في وقتها رغم الأخطار!
كان حزباً سلمياً لم يجد العنف سبيلاً إليه.
دلّوني على حادثة عنفية واحدة ارتكبها أعضاء الحزب!
كل الاحزاب السياسية على الساحة السورية كان لها نصيب من العنف في العلاقة مع القوى السياسية الأخرى، إلا الشيوعيين. فقط قتيل واحد من جماعة الإخوان المسلمين الذين هاجموا مكتب الحزب عام ١٩٤٨ واستشهد الرفيق الشهيد حسين عاقو دفاعاً عن مكتب الحزب آنداك.
ثم من قال لكم إن الدرب الذي سلكه الحزب كان مستقيماً وسهلاً؟!
نعم كانت هناك أخطاء وعثرات كثيرة.
لكن من ينكر ويستطيع كتابة تاريخ سورية دون أن يدوّن صفحة بيضاء لهذا الحزب الوطني.
الظلال الخضراء لهذا الحزب الفتي غطت مساحة سورية منذ البداية. انتشر أعضاؤه ينهلون من عجينة هذه الأرض تبراً وياسميناً. ينشرون أهداف الحزب وسياساته. فزرعوا وحصدوا وجنوا ثقة البشر. وحتى هذه اللحظة ما زالت سمعة الحزب تتجلى في صمود أعضائه وسلوكهم وسجاياهم.
لكن دعونا نلقي نظرة داخلية مقياسية تقريبية من سياسة هذا الحزب.
لابد عند إقرار الاستدلالات والاستخلاصات من مقاربة المواقف زمانياً ومكانياً.
بالعموم سياسة الحزب كانت صاعدة منحازة لصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة. واتخذ أكثر القرارات أهمية لصالح عامة الشعب. وهذا لم يمنع الآخرين من لصق الحزب بشتى الاتهامات بالتبعية وبأفكار غريبة عن المجتمع، كالقول بعدم ضرورة حزب شيوعي مدني علماني في وسط ديني محافظ.
لكن الأحداث أثبتت وأكدت كم هو هام وجود حزبٍ وطني علماني يكرس مقولة (الدين لله والوطن للجميع)، في مجتمع يضم فسيفساء متنوعاً، ويدعو لقانون ودستور عصري ومدني والجميع تحت ظلاله.
نعم، لقد دعا الشيوعيون لفصل الدين عن الدولة والسياسة.. لكنهم دعوا أيضاً لاحترام عقائد البشر ولم يدعوا أبداً لفصل الدين عن المجتمع، وهذا جانب هام في سياسة الحزب.
لقد رمى القوميون والإسلاميون الحزب بسهامهم عبر تاريخ طويل من الصراع، ونحن هنا لسنا بصدد نكء الجراح. ولكن للاستفادة من مجمل الصراعات السياسية التي أدت لنتائج كارثية على الوطن ولم تقدم أي إضافة لبلدنا. وكلنا نذكر تجربة وحدة ١٩٥٨ وما أدت إليه من مآسٍ.
نعم، لقد ناضل أعضاء الحزب ورسموا طرقاً كثيرة للخلاص من العقبات التي اعترضت مسيرته. ولم يبخلوا وبرزوا في الصفوف الأمامية حاملين راية الوطن والحزب .
نعم، لقد دفع الحزب ثمناً باهظاً لمواقفه المبدئية وخاصة الموقف المنطقي والواقعي من وحدة ١٩٥٨..
أما عن الشروط الثلاثة للتعاون مع القوى السياسية الأخرى التي أقرها المؤتمر الثالث للحزب عام ١٩٦٩، فلم تكن متناسبة طردياً فيما بينها. في المواقف الاقتصادية خط الحزب صاعد. في المواقف السياسية خط الحزب متوافق بالعموم مع سياسة الدولة. في موضوع الحفاظ على وجه الحزب المستقل. هنا الحديث ذو شجون كثيرة. فالانقسامات اضعفت قوة الحزب وبعثرت جهوده. وتركت للحليف أن يعبث أحياناً ويضغط. وهذا ما ورد في كلام الرفيق خالد بكداش في المؤتمر الخامس عام ١٩٨٠ حين تحدث عن ضغط الحليف.
بالعموم أدى الحزب دوراً وطنياً صاعداً، ونذكّر برسائل الحزب وخاصة رسالة الرفيق يوسف الفيصل.
ونستطيع القول بأن الحزب يؤدي دوره حسب قدراته. ولعل الكارثة الإنسانية السورية التي ارخت بظلالها السلبية على كل فئات المجتمع السوري. والتي فصّل الحزب مواقفه الوطنية خلال سنوات الأزمة، ودعا للخروج من الأزمة ولحماية الفئات الفقيرة في المجتمع. ووضح موقفه بالأزمة المركبة داخلياً وخارجياً. ولم يتأخر في تقديم رؤاه العلمية والنقدية لتحسين شروط الحياة الإنسانية للبشر.
الآن الشيوعيون يقفون على مفترق طرق. إما أن يرمموا مسيرتهم المئوية بإنجاز نوعي يلبي طموحهم بتوحيد الإرادة والعمل. وإما أنهم سيبقون جزراً متناثرة وتأثيرهم في تناقص مستمر وهذا الأمر هو تحدي الذات وخاصة القيادات الحزبية.
في ختام مقالتي البسيطة التي لا أدعي كمالها، بل هي مجرد خواطر لعضو بسيط في هذا الحزب العريق..
أنحني أمام شهداء الحزب، وأرفع القبعة لمفكري الحزب الذين أعطوا الحزب والوطن دروب العلم والمعرفة والثقافة والتنوير.. لتصبح سورية بلد التعايش والتسامح والسلام.