أردوغان يفوز في الانتخابات من خلال الحرب
بعد الانتخابات العامة التركية في 1 تشرين الثاني استعاد حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الأغلبية البرلمانية التي فقدها قبل خمسة أشهر في انتخابات حزيران ،2015 جرت انتخابات 1 تشرين الثاني بسبب عدم تشكيل حكومة ائتلافية ضمن المهلة الدستورية حتى 28 آب. وبزيادة في عدد أصواته بأكثر من 8 في المئة، فاز حزب العدالة والتنمية بأكثر من 49 في المئة من أصوات الناخبين، واحتل 317 مقعداً من أصل 550 مقعداً يتألف منها البرلمان. واحتفظت المعارضة الرئيسية الأتاتوركية، حزب الشعب الجمهوري، بأصواتها عند 4,25 في المئة، وخسر أكثر من 4 في المئة من الأصوات، حصل حزب الحركة القومية اليميني المتطرف والفاشي على قرابة 12 في المئة، وخسر أكثر من نصف مقاعده.. أما المعارضة الكردية، حزب الشعوب الديمقراطي، فقد تجاوز العتبة الانتخابية بحصوله على 10 في المئة، وخسر نحو 3 في المئة من أصواته.
بعد خسارة حزب العدالة والتنمية الانتخابات في حزيران، اتصفت الفترة السابقة للانتخابات الجديدة في تشرين الثاني بالعنف والقمع مع استهداف حزب العدالة والتنمية للحركة الكردية والقوى التقدمية.
كانت بداية العنف هجوم بالقنابل شنته داعش في تموز بمدينة سروج القريبة من الحدود السورية، وأسفر عن مقتل 28 شاباً اشتراكياً كردياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حزب العدالة والتنمية أدى دوراً حيوياً في صعود داعش من خلال تزويده بالسلاح والدعم اللوجستي والتدريب والأموال. وكانت منطقة الحدود مع سورية في الماضي المكان الذي هيأت فيه جماعات من ضمنها داعش لشن هجمات في سورية.
بعد هجوم داعش في سروج، أعلن حزب العدالة والتنمية انضمام تركيا إلى الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة فيما يسمى القتال ضد داعش، وأن تركيا تفتح القاعدة الجوية إنجرليك للائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في اليوم نفسه. كانت هذه صفقة تبادل قذرة عقدت بين الإمبريالية الأمريكية وحزب العدالة والتنمية.. وبنتيجة هذه الصفقة حصلت الإمبريالية الأمريكية على إمكانية استخدام القاعدة الجوية إنجرليك ذات الموقع الاستراتيجي التي احتاجتها منذ وقت طويل لإنجاز هدفها النهائي، وهو الإطاحة بالحكومة السورية.
وبالمقابل حصل حزب العدالة والتنمية على موافقة ضمنية من الولايات المتحدة على مهاجمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وقمع المعارضة الكردية على الجبهة الداخلية، بذريعة غامضة ومبتذلة هي (الحرب على الإرهاب)، وبدلاً من محاربة داعش، أطلق حزب العدالة والتنمية موجة من القمع ضد الحركة الكردية. نفذت الشرطة مئات الغارات عبر تركيا، واعتقلت المئات، وأصابت الضربات الجوية للجيش التركي مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وقتلت المدنيين أيضاً، وأنهت تركيا من جانب واحد الهدنة الموجودة مع حزب العمال الكردستاني منذ عام ،2013 وبالنتيجة اضطر حزب العمال الكردستاني إلى الرد بسلسلة من الهجمات ضد قوات أمن الدولة والجيش في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية، وأعطى هذا بالمقابل حزب العدالة والتنمية ذريعة إضافية لتصعيد العنف ضد السكان المدنيين.. ولذلك فُرض حظر التجول لأسابيع في بلدان كردية، وتعرضت بعض البلدات لحصار وحشي عسكري لأيام، استهدفت قوات الأمن وقتلت مدنيين، وقُصفت بيوت بالدبابات والمدفعية الثقيلة، ونجم عن ذلك مصرع أعداد كبيرة من المدنيين. وبتشجيع من مسؤولي حزب العدالة والتنمية، خرجت عصابات فاشية إلى الشوارع مستهدفة مكاتب حزب الشعوب الديمقراطي ومنظمات يسارية.
قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات، أي في 10 تشرين الأول، تعرض آلاف المشاركين في تجمع بأنقرة، تأييداً للسلم واستنكاراً لحرب حزب العدالة والتنمية ضد الأكراد، لهجوم إرهابي حقير من قبل داعش، قُتل أكثر من مئة شخص من ضمنهم بعض أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري.
كان العنف ضد الحركات الكردية واليسارية في الحقيقة استراتيجية مدروسة نشرها أردوغان وحزب العدالة والتنمية من أجل استعادة حكم الحزب الواحد، كان حزب العدالة والتنمية يأمل من وراء زيادة القمع ضد السكان الأكراد تعزيز الدعم من قاعدته الرجعية، في حين يكسب أيضاً أصواتاً من حزب الحركة القومية اليميني المتطرف.
وإذا أخذنا بالحسبان توزيع الأصوات في تشرين الثاني نرى أن هذه الاستراتيجية قد نجحت، فمن جهة تمكن حزب العدالة والتنمية من انتزاع ما يكفي من الأصوات القومية من قاعدة حزب الحركة القومية التي تجاوب أصحابها مع قمع حزب العدالة والتنمية للأكراد، ومن جهة أخرى كانت رسالة حزب العدالة والتنمية إلى الناخبين الأكراد المحافظين الذين صوّتوا لحزب الشعوب الديمقراطي في حزيران واضحة: إذا فقدنا الحكومة في انتخابات تشرين الثاني، ستكون هناك عودة إلى (أيام عدم الاستقرار والإرهاب)، ومن المهم التذكير بأن حزب الشعوب الديمقراطي تمكن في الطريق إلى انتخابات حزيران من جمع ائتلاف واسع من الجماعات ضمن صفوفه، من العناصر الثورية الأصيلة والقوميين الأكراد إلى الإسلاميين السياسيين الرجعيين، ومعظم الأخيرين يميلون إلى العودة إلى حزب العدالة والتنمية.
هل كانت استراتيجية حزب العدالة والتنمية في شن حرب ضد الأكراد واليسار السبب الوحيد لانتصاره في الانتخابات الأخيرة؟
يمكن القول أيضاً إن المواقف المتناقضة لحزب الشعب الجمهوري الديمقراطي من حزب العدالة والتنمية كان لها دور أيضاً في انتصار الأخير.. ففي حين شجب الحزبان دور حزب العدالة والتنمية في صعود داعش والعنف المتزايد ضد الشعب الكردي، إلا أن أياً منهما لم يبذل جهداً لفضح التعاون الخياني بين حزب العدالة والتنمية والإمبريالية الأمريكية ودوره العام في حمام الدم في المنطقة جزءاً من المسعى الإمبريالي للإطاحة بالحكومة السورية.
على الرغم من المجازر واعتقال الصحفيين والهجمات على المكاتب الحزبية، هنأت الحكومة الألمانية والاتحاد الأوربي والحكومة الأمريكية أردوغان، ووصفت الانتخابات بالنزيهة والنظيفة، وهذه هي القوى الإمبريالية نفسها التي تهاجم الحكومة البوليفارية في فنزويلا لسجنها اثنين من قادة المعارضة بسبب تنظيمها أعمال عنف ضد الحكومة.