كي لا ننسى | حاتم السباعي.. حياة كرِّست للنضال

يونس صالح:

حاتم السباعي، ابن حمص العريقة الغنية بتراثها الثقافي وإبداعاتها التي تخطت حدودها، وكان لها تأثير جلي، لا في سورية وحدها، وإنما أبعد من ذلك بكثير، إنه ابن هذه المدينة التي قدمت للحركة الديمقراطية والتقدمية كثيراً من المناضلين، الذين كرسوا حيواتهم الثرّة والمتنوعة لخدمة مصالح الشعب الشغيل، ولخدمة التحرر من سيطرة الاستعمار، وضد الدكتاتوريات، ومن أجل ازدهار الوطن وتفتحه، وتطوره.

لقد ولد هذا المناضل عام 1934 في مرحلة كانت سورية تعاني من هيمنة الاستعمار الفرنسي على البلاد، ومن جوره واضطهاده للوطنيين الذين رفضوا الخضوع لهذه السيطرة، ولقد نما وترعرع في ظل هذه الظروف، وهو يرى بأم عينيه، وهو ابن العائلة المعروفة في المدينة، كيف ينوء الشعب بظلم المستعمرين وأدواتهم من إقطاعيين وسماسرة وغيرهم. وكان لا بد لهذا الوضع أن يؤثر على هذا الشاب اليافع، ويملأه بالغضب تجاه أولئك الذين كانوا يسببون للشعب هذه الآلام التي لا يمكن تصورها.

ينمو هذا الشاب إذاَ في تلك الظروف الصعبة، وتتعمق لديه القيم الوطنية تدريجياً، وينغمس وهو يافع في المظاهرات المنددة بالاحتلال.

تستقل سورية ولكن المشاكل التي كان يعاني منها الشعب استمرت. لم تستطع الحكومات المتعاقبة إحداث تغيير جذري في حياة المواطنين، وأخذت تنشط بصورة كبيرة في تلك الأوقات مختلف أنواع الأحزاب معبرة عن مصالح الفئات التي تمثلها. في مدينة حمص، كانت تنشط منظمة شيوعية حيوية، وكانت تستقطب مجموعة من الشباب، يحدوها الأمل بحياة أفضل، يجد الشاب حاتم السباعي نفسه إلى جانب هذه المجموعة، يدفعه لذلك حلمه بالعدالة الاجتماعية. في عام 1954 ينتسب إلى الحزب الشيوعي، ويصبح عضواً نشطاً من أعضائه، ومنذ ذلك الحين حتى رحيله الأخير، ربط هذا الشيوعي مصيره بمصير النضال من أجل العدالة، ومن أجل حرية الوطن واستقلاله. انخرط في الحركة النقابية مدافعاً عن مصالح العمال وساهم في حياته المهنية بإنشاء مصفاة حمص، وعمل في مختلف قطاعات الإنتاج، من معمل السكر إلى معمل السماد، وأصبح فيما بعد رئيساً لفرع الصيانة الكهربائية فيه، وفي عام 1982 أصبح عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال، وفي الوقت نفسه أصبح عضواً في اللجنة المنطقية للحزب في حمص، وفي هذين الموقعين كرّس المناضل حاتم السباعي كل جهده من أجل أن تصبح منظمة حزبه أكثر التصاقاً بالكادحين، ومن أجل الدفاع عن مصالح العمال وعن فقراء مدينته. إن الخدمات التي قدمها للشغيلة كثيرة، من الصعب حصرها، ولقد كان يعبر بذلك عن طموحه الذي لا يُحَدّ بأن تصبح حياة الشعب أكثر إشراقاً، وأكثر كرامة.

في أعوام حياته الأخيرة، يصبح عضواً في لجنة الرقابة والتفتيش المالي للحزب، بالرغم من أن المناصب الحزبية لم تكن تعني له إلا بمقدار ما تقدم من إمكانية لخدمة أناس العمل.

إن ذكرى هذا المناضل يجب أن تبقى حية في ذاكرة الأجيال الجديدة، ويجب أن لا تنقطع تقاليد النضال المجيد التي كرسها، الآباء والأجداد في مسيرة الكفاح من أجل العدالة.

العدد 1140 - 22/01/2025