لوحات الفنان شبلي سليم
ترجمات حسيّة لفنون الأصالة ورومانسية الحداثة التعبيرية
الفنان التشكيلي السوري شبلي سليم المولود في محافظة السويداء عام ،1949 والذي ترعرع في أحضانها طفلاً ويافعاً حاملاً معه وفي سجل ذكرياته البصري صوراً وتذكارات حافلة بجماليات الطبيعة والإنسان الريفي المتمسك بحسن انتمائه إلى ذاكرة مكانه بكل ما فيها من خيرات وإنسانية، وتفوح في رحابها المفتوحة على أشعة الشمس أنسام البقاء. تجده في لوحاته مُنحازاً على الدوام للنسوة الحسان اللواتي يؤنسن حياته الشخصية وملامحه التشكيلية بكثير من الترجمات الحسيّة، يُدرجها قصصاً رومانسية معزوفة على سطوح خاماته المتعددة التقنيات بلوحات تعبيرية طافحة برمزية المعاني وجماليات التشكيل والتكوين والتوظيف المناسب لعناق ملوناته وأساليبه التقنية المفتوحة على حرية الحركة والتأليف المسرحي لشخوص مكوناته.
في لوحاته يغدو شاعراً لقصائده التشكيلية المزينة بالخطوط والملونات المتناثرة في رحاب الخلفيات وفي توزع العناصر الرئيسة في متنها، ترسم معالم رؤاه البصرية المكحلة بالقصص والحكايات الشعبية ومحمولة بتغريد الأساطير التي قرأها أو سمع عنها من جدات وأقران وأحبة في ليالي مسقط رأسه الأنيسة. ينقلها بإحساس المُحب والعاشق الولهان وحرفية الصانع المتمكن من أدواته والقادر على إدراج تفاصيلها التراكمية المُتسعة لأفكاره وذكرياته، ومتناغمة مع كتل متراقصة من الأجساد الأنثوية في حضرة مقاماته السردية.
تجوب هائمة في مدارات الألوان الخمسة للطبيعة، متدلية عناقيدها اللونية في واحة لوحاته وهي أشبه بحدائق ملوناته الأساسية من أحمر وأزرق واأصفر، لتعاند في عراكها التقني المشروع مع ملوناته الحيادية والمساعدة من أسود وأبيض، لتخرج بيده الماهرة عجينة لونية هجينة تتداعى مؤثراتها الحسيّة وملامس سطوحها إيقاعات لونية حافلة بالتوازن الشكلي والتناسق اللوني، في حدود المعاني والجمل التشكيلية التي يرنو للوصول إليها.
لوحاته جملة وتفصيلاً تدخل عوالمها التصويرية من بوابة الاتجاهات التعبيرية الرمزية والتعبيرية الشاعرية الرومانسية السابحة في بحور توليفاتها من جماليات الفكرة والتوصيل، والمقدرة لنسج علاقات تأمل وحوارات بصرية مع جمهور فنه، ومد جسور التلاقي حول أسئلة الفن والهوية ومقولات الأصالة والحداثة. والمتوافقة مع مقدرة الفنان الذاتية الأكاديمية والمهنية على لعب هذا الدور الوظيفي والاجتماعي في تمثل حكايات مجتمعه في رؤية فنية مُعاصرة. لا تلغي جذور الانتماء لإلى ذاكرة بصرية لوطن وناس ما زال يعيش بينهم ويتلمس أحاسيسهم وأحاسيسه أيضاً، عبر ولائمه البصرية التي لا تخلو من معاني السرد الأدبي، في أساليب وتقنيات الفن التشكيلي المُعاصرة.
الأنثيات يسكنَّهُ في إطلالتهن وجوهاً وأجساداً متراقصة في حيز الكتلة والفراغ، محددة أبعاد الرؤى البصرية المنظورة، تأخذ بتلابيب المعنى الرمزي وتُحاكي أحاسيس وانفعالات وترجمات الفنان الشخصية المتدحرجة في متواليات الصور التي حفظها عن ظهر قلب. وباتت تداعب رغباته الذاتية والمستدامة على التشكيل والتلوين والتصوير. ولو بفترات انقطاع زمنية لا تلغي لحبال فنه ونزوته ومتعته الذاتية خوض غمارها، مُجدداً في التقنيات محتفظاً بالأسلوب والخط التعبيري الذي درج عليه منذ سنوات عديدة، محافظاً على وحدة صوغه التشكيلية العضوية التي تجعل المتلقي يتعرف إليه دون حاجته إلى رؤية توقيعه على لوحاته، وهي خصلة حسنة ومحببة في أروقة الفنانين التشكيليين وخصوصياتهم وتفردهم بأساليبهم التعبيرية.
الخط واللون وظلال المعنى في رومانسيته وعجائنه اللونية تجدها في لوحاته تُشكل تناغماً رباعياً لمقولاته، محكومة بخبرة مهنية موصولة بحرفية التأليف والتوظيف لمفرداته وجمله التشكيلية، تأخذ من حدة الملونات الحارة والباردة نسيجها الوصفي وألقها البصري. وترسم حدود التلاقي ما بين التقنية والشكل والمضمون ومهارة الفنان وخصوصيته وتفرده في خلق بيئة سرد جمالية مواتية لذاته أولاً ولجمهوره ثانياً، وأمينة لخصوصيته التعبيرية التي اكتسبها في نهاية المطاف. تجمع الشكلي بالوجداني، القص بالحكايات الشعبية والأساطير، تبحر في الحداثة مع إبقاء خصوصية المكان السوري وذكرته البصرية . وترسم حالة تعبيرية سورية لم تأخذ حقها بالقدر الكافي من أقلام كتاب الفن والصحافة والنقاد.