الفنانة سراب الصفدي… حداثة تعبيرية في الشكل والمضمون
الفنانة التشكيلية السورية سراب الصفدي، المُتخرجة في قسم الرسم والتصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام ،1976 وذات الحضور الدائم في معارض الدولة الرسمية، وبعض المعارض الجماعية في صالات العرض الخاصة. فنانة تعمل بصمت وتحفر أروقة موهبتها المدربة والخبيرة فوق سطوح خاماتها المتعددة الصنائع والتقنيات. إنهامنحازة على الدوام لبنات جنسها تستضيف شخوصهن ورشاقة حركتهن المعهودة فوق معابر سطوحها الغنية بالحكايات. محمولة بروح البحث التقني التجريبي المنثور فوق تفاصيل مكوناتها المرصوفة في متن عمائرها التشكيلية. مكونات تعبيرية متوالدة في الشكل والهيئة وحركية الخطوط وتوزيع الكتل اللونية والمساحات، راقصة على أنغام المتوالي والمكرر الشكلي، والتوازن المدروس لكتلها الموزعة ما بين واقعية العناصر والمفردات الرئيسة وتجريدية المساحات الخلفية الحاضنة لحركية الأجساد الأنثوية الحافلة بعراك الخط والملونات.
وهي موصولة بحكايات شعبية وتقاسيم مشرقية مستعارة من مخيلة مفتوحة على حكايات حمَّام النسوة الدمشقي، وسِيَره التي لا تنتهي في حدود توليفة بصرية هنا، ومقولة تعبيرية هناك. تترجمها إلى نصوص بصرية ولوحات سابحة في فضاء الحداثة التعبيرية في الشكل والمضمون،. إنها تستلهم فصولها الشكلية من معين الفن السوري القديم، متكئة على مساحات مؤتلفة لمتواليات الكتل الهندسية المتجاورة والمتكررة في حيز الأفكار المنشودة والتعبيرات الجمالية المطروحة. فيها ما فيها من مقاربات وصفية ومُحاكاة رمزية لقصص مدينة دمشق القديمة والتاريخية في بيوتها، وأسواقها وأوابدها المتلاصقة والمتداخلة. فهي تعبر عنها بكم هائل من الخطوط والملونات وتشخيصية الرموز والاستعارات الشكلية ومساقات التوليف البصري. وما تخيرها لحمام السوق الدمشقي الخاص بالنساء إلا لمحة ذكية وقيمة تشكيلية ومعرفية وإنسانية مُلامسة لأحاسيسها الداخلية المنفعلة والمتفاعلة مع الأيام الخوالي، التي كانت تعيشها مدينة دمشق القديمة وكشف لمضمرات الحكايات المسرودة في داخلها، وتبيان لتفاصيل الغواية البصرية لمفاتن تلك الأسرار والخبايا المنسوجة في داخله.
لوحاتها القصص، محكومة بقواعد السرد البصري وتجليات الرؤى التي تُمسرح المواقف في كتل متوازنة، وتفتح شهيتها لعراك التقنية وخلاط الملونات اللافتة. فهي مكحلة بجماليات اللقطة التصويرية ورمزية المدلول والمعنى. وأهمية حمام السوق في تنشيط ذاكرة الأجيال كمسحة تراثية متوارثة، ودوره في خلق طقوس اجتماعية حافلة بالمودة والأُلفة والتواصل، كواحدة من عادات سكان مدينة دمشق القديمة المتبعة، وهي طقوس اجتماعية ما زالت ماثلة في حياتنا الدمشقية برغم توافر المتع الزائفة في العمارات الحديثة التي تُقدمها متاهات المعاصرة العولمية.
لوحات مثقلة بجموح البحث التقني وبالاتجاهات التعبيرية المتصلة بالمسحة الواقعية التعبيرية والتعبيرية الرمزية الموشاة بخلفيات تجريدية. فهي تستحضر يوميات حمام السوق الدمشقي في أوصاف شكلية متنوعة، موزعة في سياق مجموعات ثنائية متآلفة أو أكثر، تُبرز كادر اللوحة وحيز المساحة في أنساق سرد بصري حافل بحركة الخطوط والملونات، مقطعة أوصال السطوح في مشاهد جزئية مركبة، تضم في طياتها أنفاس المجاورة والمقابلة والتوالد. تبدو الشخوص والأجساد المتراقصة للنسوة، أشبه بشريط سينمائي دمشقي طويل، يليق بقامة اللقاء ومتعة الكلام الدمشقي المعسول المندرج في شفاه نسائه.
حكاية شامية تبدأ ملامحها تشكلها الأولى بيد الفنانة كمرتكزات مهارة أساسية، لنقل المحسوس البصري المُعبر عن مناطق وعيها الجمالي بالأشياء. نقطة الانطلاق فيها تكون من خلال رسوم تمهيدية أولية في سياق رسوم واسكتشات سريعة، ومن ثم تنقلها بالسكين تارة وبالريشة في كثير من الأحيان تقاسيم خطية ولونية ومعايشة تصويرية واقعية لحمام السوق، أو ترجمة حسيّة من خلال ما كُتب عنه في الراويات، وما عُبر عنه في المشاهد التلفزيونية، كصور مرئية متراكمة في ذاكرة الفنانة البصرية بحِلة شكلية مفارقة لواقيتها التقليدية، تسبح في فلك الحداثة التشكيلية المُعمدة بأشكال المربع والمستطيل والدائرة والتوليفات الهندسية المسطحة ذات البعدين. تنثر شذى قصيدتها الفنية في إطار ملونات متناسلة من معين الدائرة اللونية الرئيسة، وتدريجاتها المكشوفة على خصوصية التقنية وتفرد في الأسلوب.