الأخوان رحباني وأغنيات الميلاد المجيد

(تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج،

والغيمات تعبانين وزهور الطرقات بردانين،

وع التلة خيمات مضويين،

ومغارة سهرانة فيها طفل زغير

بعيونو الحليانة حب كبير كتير..)

تحيلنا هذه الأغنية المشهورة للسيدة فيروز إلى فضاءات ذات دلالات جمالية متعددة، رغم أن الأغنية كتبت ابتهاجاً وفرحاً بعيد الميلاد المجيد. وبذلك تكاد تكون الأغنية الأكثر شهرة وتداولاً في هذه المناسبة، إلا أن الأغنية بمفرداتها وجملها اللحنية خرجت من أجواء الثلج وبرودته لتدخل القداسة  الإلهية عبر المفردات الدينية التي تشير إلى مغارة بيت لحم مولد السيد المسيح. وهذا ينطبق أيضاً على أغنية (ليلة عيد) الذائعة الصيت، فللأغنيتين تعبير واضح عن ليلة الميلاد وتفاصيلها القدسية، وانعكاس حقيقي لذاكرة الأخوين رحباني الممتلئة بتفاصيل الجمل الموسيقية ذات المنشأ الكنسي، والجمل الموسيقية الشرقية عموماً.

وتشير أغلب الدراسات النقدية والتاريخية التي رصدت التجربة الرحبانية الموسيقية إلى الأثر الكبير الذي أحدثته الموسيقا الكنسية الشرقية في الإبداع الموسيقي الرحباني، وتظهر تلك الدراسات أثر تلك الموسيقا الواضح في بنية تركيبة الجملة الموسيقية، وخصوصاً في بدايات التجربة، إذ جعل عاصي ومنصور الكثير من مؤلفاتهما الموسيقية جملاً تنطلق من الترتيلة الكنسية الشرقية، وتحاكي الجمل الموسيقية الشرقية القديمة.

وفي هذا الصدد يشير جان ألكسان في كتابه (فيروز والرحبانيون) إلى المراحل العلمية الأولى لعاصي ومنصور ، ودور الموسيقا الكنسية في تربيتهما وتعلمهما أصول الموسيقا الشرقية على يد الأب بولس الأشقر. يقول عاصي في الكتاب ذاته 🙁 بعد أن عدنا إلى أنطلياس التقينا الأب بولس الأشقر، وقد شكل هذا اللقاء تحولاً أساسياً في حياتنا، وطلبنا من الأب بولس الانضمام إلى جوقة الصلاة والتراتيل في الكنيسة، لأننا وجدنا في ذلك متنفساً لإشباع هوايتنا، فوافق على انضمامي وحدي بحجة أن صوت عاصي غير جميل، لكنه سمح له بتعلم الألحان والموسيقا).

من هنا نلمس أثر التراتيل الكنسية، إذ تعلم عاصي الموسيقا على يد الأب بولس فوفر له عدداً كبيراً من مؤلفات الموسيقا الشرقية، كالرسالة الشهابية، وكتاب كامل الخلعي، وأشياء عن الكندي والفارابي، إضافة إلى المثابرة التي كان يمتلكها عاصي من خلال تعلمه على آلة البزق والكمان ليبدأ فيما بعد الكتابة والتأليف الموسيقي، إذ بدأ يكتب ويؤلف للجوقة والفرقة المسرحية عدداً من التراتيل والمسرحيات التاريخية وقتذاك.

وبعد أن نضجت التجربة الرحبانية أفرد عاصي ومنصور  مساحات كبيرة للتراتيل الكنسية، إذ كتب للجمعة الحزينة، وأغنيات عيد الميلاد باللغات اللاتينية والعربية والآرامية. وكان لأغنيات الميلاد حضورها القوي من خلال رصد تفاصيل ليلة الميلاد وكتابة أغنيات تعبر عن الفرح والزهو بمناسبة هذه الليلة المجيدة.

ويظهر أثر الموسيقا الكنسية في المسرح الغنائي كبيراً في الكثير من الأعمال المسرحية، ففي مشهد المخاتير في مسرحية ميس الريم تظهر الترتيلة الكنسية بشكل واضح عبر الغناء الجماعي والإفرادي، وخصوصاً في لوحة تعريف المخاتير التي تساهم في المصالحة بين العائلتين المتصارعتين.

ومن أشهر أغنيات الميلاد للأخوين رحباني (ليلة عيد ، هللو هللو يا ، كنا نزين شجرة زغيرة ، عيد الدني، تذكر ياحبيبي، ملوك المجوس، روح زورهن ببيوتهن، عيّد الليل، تلج تلج ). إضافة إلى تراتيل باللغة الآرامية والعربية واللاتينية، كترتيلة (شوبحو لها وقولو) التي تظهر فيها الترتيلة الشرقية واضحة في تركيبة الجملة الموسيقية.

ولم تقتصر التجربة الرحبانية على كتابة الموسيقا التي تحاكي ليلة الميلاد، بل حاولت أن ترصد أغلب الأيام والمواقف الدينية المسيحية مثل (الجمعة العظيمة)، أغنيات إفرادية أخرى كأغنية (لاتهملني لاتنساني ياشمس المساكين)، ومجموعة (هللوهللو يا) التي جالت بها السيدة فيروز وفرقتها أغلب مدن العالم.

يوسف الجادر

الأخوان رحباني وأغنيات الميلاد المجيد

 

(تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج،

والغيمات تعبانين وزهور الطرقات بردانين،

وع التلة خيمات مضويين،

ومغارة سهرانة فيها طفل زغير

بعيونو الحليانة حب كبير كتير..)

تحيلنا هذه الأغنية المشهورة للسيدة فيروز إلى فضاءات ذات دلالات جمالية متعددة، رغم أن الأغنية كتبت ابتهاجاً وفرحاً بعيد الميلاد المجيد. وبذلك تكاد تكون الأغنية الأكثر شهرة وتداولاً في هذه المناسبة، إلا أن الأغنية بمفرداتها وجملها اللحنية خرجت من أجواء الثلج وبرودته لتدخل القداسة  الإلهية عبر المفردات الدينية التي تشير إلى مغارة بيت لحم مولد السيد المسيح. وهذا ينطبق أيضاً على أغنية (ليلة عيد) الذائعة الصيت، فللأغنيتين تعبير واضح عن ليلة الميلاد وتفاصيلها القدسية، وانعكاس حقيقي لذاكرة الأخوين رحباني الممتلئة بتفاصيل الجمل الموسيقية ذات المنشأ الكنسي، والجمل الموسيقية الشرقية عموماً.

وتشير أغلب الدراسات النقدية والتاريخية التي رصدت التجربة الرحبانية الموسيقية إلى الأثر الكبير الذي أحدثته الموسيقا الكنسية الشرقية في الإبداع الموسيقي الرحباني، وتظهر تلك الدراسات أثر تلك الموسيقا الواضح في بنية تركيبة الجملة الموسيقية، وخصوصاً في بدايات التجربة، إذ جعل عاصي ومنصور الكثير من مؤلفاتهما الموسيقية جملاً تنطلق من الترتيلة الكنسية الشرقية، وتحاكي الجمل الموسيقية الشرقية القديمة.

وفي هذا الصدد يشير جان ألكسان في كتابه (فيروز والرحبانيون) إلى المراحل العلمية الأولى لعاصي ومنصور ، ودور الموسيقا الكنسية في تربيتهما وتعلمهما أصول الموسيقا الشرقية على يد الأب بولس الأشقر. يقول عاصي في الكتاب ذاته 🙁 بعد أن عدنا إلى أنطلياس التقينا الأب بولس الأشقر، وقد شكل هذا اللقاء تحولاً أساسياً في حياتنا، وطلبنا من الأب بولس الانضمام إلى جوقة الصلاة والتراتيل في الكنيسة، لأننا وجدنا في ذلك متنفساً لإشباع هوايتنا، فوافق على انضمامي وحدي بحجة أن صوت عاصي غير جميل، لكنه سمح له بتعلم الألحان والموسيقا).

من هنا نلمس أثر التراتيل الكنسية، إذ تعلم عاصي الموسيقا على يد الأب بولس فوفر له عدداً كبيراً من مؤلفات الموسيقا الشرقية، كالرسالة الشهابية، وكتاب كامل الخلعي، وأشياء عن الكندي والفارابي، إضافة إلى المثابرة التي كان يمتلكها عاصي من خلال تعلمه على آلة البزق والكمان ليبدأ فيما بعد الكتابة والتأليف الموسيقي، إذ بدأ يكتب ويؤلف للجوقة والفرقة المسرحية عدداً من التراتيل والمسرحيات التاريخية وقتذاك.

وبعد أن نضجت التجربة الرحبانية أفرد عاصي ومنصور  مساحات كبيرة للتراتيل الكنسية، إذ كتب للجمعة الحزينة، وأغنيات عيد الميلاد باللغات اللاتينية والعربية والآرامية. وكان لأغنيات الميلاد حضورها القوي من خلال رصد تفاصيل ليلة الميلاد وكتابة أغنيات تعبر عن الفرح والزهو بمناسبة هذه الليلة المجيدة.

ويظهر أثر الموسيقا الكنسية في المسرح الغنائي كبيراً في الكثير من الأعمال المسرحية، ففي مشهد المخاتير في مسرحية ميس الريم تظهر الترتيلة الكنسية بشكل واضح عبر الغناء الجماعي والإفرادي، وخصوصاً في لوحة تعريف المخاتير التي تساهم في المصالحة بين العائلتين المتصارعتين.

ومن أشهر أغنيات الميلاد للأخوين رحباني (ليلة عيد ، هللو هللو يا ، كنا نزين شجرة زغيرة ، عيد الدني، تذكر ياحبيبي، ملوك المجوس، روح زورهن ببيوتهن، عيّد الليل، تلج تلج ). إضافة إلى تراتيل باللغة الآرامية والعربية واللاتينية، كترتيلة (شوبحو لها وقولو) التي تظهر فيها الترتيلة الشرقية واضحة في تركيبة الجملة الموسيقية.

ولم تقتصر التجربة الرحبانية على كتابة الموسيقا التي تحاكي ليلة الميلاد، بل حاولت أن ترصد أغلب الأيام والمواقف الدينية المسيحية مثل (الجمعة العظيمة)، أغنيات إفرادية أخرى كأغنية (لاتهملني لاتنساني ياشمس المساكين)، ومجموعة (هللوهللو يا) التي جالت بها السيدة فيروز وفرقتها أغلب مدن العالم.

العدد 1140 - 22/01/2025