«المرأة.. قضايا مجتمعية معاصرة» ورشة عمل في الهيئة السورية لشؤون الأسرة

أقامت الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بالتعاون مع لجنة المرأة العاملة في اتحاد عمال دمشق، ورشة عمل تحت عنوان (المرأة.. قضايا مجتمعية معاصرة)، امتدت على مدى أربعة أيام، شاركت فيها الكوادر النقابية وعدد من الإعلاميين/ ات، توزعت على عدة محاور ومحاضرات، جاء في مقدمتها عرض دراسة للهيئة حملت عنوان (العنف الأسري ضد المرأة)، مقسمة على قسمين، كمّي ونوعي، قدمتهما د. إسعاف حمد، ود. رنا خليفاوي. أوضحت هذه الدراسة الميدانية مدى انتشار العنف الأسري الذي تعانيه المرأة وتنوّعه، على مختلف المستويات والأعمار والبيئات، وشملت معظم المحافظات السورية، مبيّنةً أن العنف أكثر ما ينتشر في البيئات الريفية والأوساط الأقل تعليماً، كما يطول المرأة في البيئات المهمّشة التي تعاني أكثر من غيرها من التفكك الأسري.

ونوقشت الآثار النفسية والاجتماعية لذلك العنف الذي يمزّق كيان المرأة، ويأخذها في اتجاهات متعددة ومتنوعة من الأمراض النفسية التي تتحول تدريجياً إلى أمراض جسدية تُعيق المرأة عن القيام بدورها الحقيقي والفعّال في الأسرة والمجتمع.

كما ألقت د. نهلة عيسى الضوء على دور الإعلام في إبراز قضايا المرأة وكيفية التعاطي معها، لأن هذا الإعلام هو الحامل الأساسي للقيم الاجتماعية والثقافية، بتقديمه وزرعه الأنماط التي تتوافق والنظام السياسي والديني والاجتماعي، اعتماداً على رسائل إعلامية تعمل على إعادة تشكيل العقل ومنظومة التفكير المجتمعي، لعلّ أخطرها الأشكال الترفيهية والغناء والدراما وبرامج المنوعات التي تبث رسائلها الموجّهة اعتماداً على مبدأ التكرار والإلحاح الذي يصوغ في النهاية قيماً وأخلاقيات تتماهى مع السائد من التفكير المجتمعي القائم أساساً على التمييز والعنف ضدّ المرأة. فالإعلام جعل المواطن أو الفرد أسير الرموت كونترول، متوهماً أنه سيد الموقف بسيطرته على اختيار منابع المعرفة، بينما هو أسير تلك الرسائل الإعلامية التي تأتيه عبر البرامج والمسلسلات والأغاني التي تُبث على مدار الساعة، والتي تمجّد وتُعلي قيمة جسد المرأة، على حساب عقلها وتفكيرها والدور الهام والأساسي الذي تقوم به، أو الدور المفترض أن تلعبه المرأة على الصعيدين الشخصي والعام. إضافة إلى أن نموذج المرأة الذي يُقدّم في الإعلام هو النموذج الذكوري الذي يربط نجاح المرأة بتبنيها لأفكار وقيم ذكورية، وضرورة تخليها عن أنوثتها. ومن هنا نجد أن الأداء الإعلامي تماهى مع العرف الاجتماعي الذي هو في كثير من الأحيان أقوى من القانون، وبدل أن يُحدث تغييراً حقيقياً في المجتمع، أحدث استمراراً بليداً لتلك الأعراف التي تُهمّش كرامة المرأة وإنسانيتها. فالإعلام الحقيقي هو الذي يحترم عقول الناس، عندما يصوغ رسائله حسب الاحتياجات الأساسية الإنسانية المتمثلة في الاحتياج إلى المعرفة والأمن والتقدير، غير أن ما لا يتمّ الانتباه له أن الإعلام هو الذي يحدد هذه الأوّليات والاحتياجات التي تريدها مؤسسات وسياسات كونية تعمل على تشكيل المجتمعات وفقاً لإرادتها وغاياتها، لا سيما عندما تصوغ من التوافه أموراً تبدو عظيمة، بينما هي تقزّم العظيم والفعّال في حياة الناس. فالإعلام في عصرنا الراهن تحوّل من موقعه: السلطة الرابعة، إلى السلطة الأولى، لأنه حامل ومسوّق لكل السياسات العولمية.

وعلى محور آخر قدّمت الأستاذة ضحى خدام عرضاً لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- سيداو، ومناقشة التحفظات السورية عليها، وتبني رأي مشترك من الحضور بضرورة رفع تلك التحفظات التي اغتالت الهدف الأساسي من الاتفاقية. كما ألقت الأستاذة هديل الأسمر الضوء على التوصية رقم 30 المنبثقة عن الوضع العام السائد في دول ما يُسمى بالربيع العربي، والتي تبنتها هيئة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتاريخ 23/10/،2013 من خلال تقديمها توجيهاً رسمياً إلى الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق المرأة بشأن التدابير التي يجب اتخاذها لضمان حماية حقوق المرأة قبل وأثناء النزاع وبعده.

وتنص هذه التوصية على التزام الدول الأطراف أيضا بممارسة العناية الواجبة لضمان مساءلة الجهات الفاعلة من غير الدول، مثل الجماعات المسلحة والشركات الأمنية الخاصة، حول الجرائم ضد المرأة. وقالت نيكول أميلين، رئيسة اللجنة المؤلفة من 23 عضواً: (هذه الوثيقة شاملة، وتشمل الاعتراف بدور المرأة المحوري في منع الصراعات وإعادة بناء الدول المدمرة). وأضافت: (عادة ما يتم رفض خبرات المرأة وتجاهل صلتها بموضوع التنبؤ بالصراع، كما أنه تاريخياً كان معدل مشاركة المرأة في منع الصراعات متدنياً، لكن في الواقع، هناك على سبيل المثال علاقة قوية بين زيادة معدل العنف القائم على نوع الجنس واندلاع الصراع). وتحدد التوصية العامة، التي تمت صياغتها على مدى ثلاث سنوات، التزام الدول بموجب الاتفاقية، وبضمن ذلك التزامات العناية الواجبة لمنع الجرائم المرتكبة ضد المرأة من قبل الجهات الفاعلة من غير الدول والتحقيق فيها، والمعاقبة عليها وضمان التعويض عنها. وتبنت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة التوصية يوم 18 تشرين أول/ أكتوبر، وهو اليوم نفسه الذي أصدر مجلس الأمن الدولي فيه القرار رقم ،2122 الذي يشدد على أهمية مشاركة المرأة في منع الصراعات وتسويتها وبناء السلام. كما ألقي الضوء على اتفاقية حقوق الطفل، ووضع أطفال سورية في هذه المرحلة الخطيرة التي نمر بها، والحرب الطاحنة التي ألقت بظلالها الرهيبة على الأطفال والنساء، باعتبارهم الحلقة الأضعف في المجتمع.

وتناولت د. إنصاف حمد، رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، محور محاولة تغيير الصورة النمطية للمرأة عبر تبني بعض القيم والمفاهيم القائمة على مفهوم النوع الاجتماعي- الجندر، باعتباره يهدف إلى تغيير الأدوار الاجتماعية للجنسين حيث تكون العلاقات الأسرية قائمة على الندية لا الهرمية المتبعة حالياً، التي يكون فيها الرجل هو السلطة بكل أبعادها. وهذا يعني أن المرأة إنسان مثلما هي أنثى، وبالتالي يكون الهدف النهائي من هذا المفهوم (الجندر) هو أن للمرأة والرجل الحقوق والواجبات ذاتها في الحياة. ومن هنا فإن التغيير الجذري والسريع لتلك الصورة النمطية للمرأة، القائمة على إعلاء دورها الأنثوي على حساب دورها الإنساني لن يكون مجدياً، لأن التغيير يجب أن يطول الموروث الثقافي والقيمي في المجتمع، من خلال الدعم الدائم والمستمر من المستويات والفعاليات كافة وقادة الرأي والأحزاب السياسية.. ولكن في طليعة هؤلاء جميعاً المرأة التي عليها تغيير صورتها التقليدية عن نفسها، وتقدير ذاتها ودورها الحقيقي في المجتمع والحياة.

وأخيراً تناولت السيدة إنعام المصري، رئيسة لجنة المرأة العاملة في اتحاد عمال دمشق، دور المرأة في التنمية، قائلة إنه لا تنمية بعيداً عن المرأة، فالتنمية الحقيقية قائمة على مشاركة المرأة والرجل معاً، على أساس تبني مفهوم النوع الاجتماعي الذي يفرّق ما بين الوظيفية البيولوجية لكل من الجنسين، ودورهما الاجتماعي والإنساني في بناء المجتمعات البشرية.. موضحة أن تحديد دور المرأة في المجتمع يخضع للعادات والتقاليد والموروث الاجتماعي وتبني مفاهيم دينية خاطئة، إضافة إلى بعض القوانين والتشريعات التمييزية ضدّ المرأة. فعمل المرأة المنزلي، إضافة إلى عمل المرأة الريفية يذهب مردودهما للرجل الزوج أو الأب، لذا يجب أن يُحتسبا في الناتج القومي لأنه عمل اقتصادي بامتياز، يعمل على رفع سوية الأسرة والمجتمع، دون أن يجري تقدير لجهود المرأة فيهما. من هنا حُدّد في عام 2007 يوم الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من كل عام يوماً عالمياً للمرأة الريفية من أجل تعزيز وصون حقوقها، لاسيما في الميراث.

كما تطرّقت إلى وضع المرأة العاملة التي تُعاني بسبب الاحتفاظ بدورها النمطي والتقليدي، إضافة إلى عملها خارج المنزل، مما يستدعي تبني قيم ومفاهيم جديدة قائمة على مساهمة الجنسين معاً داخل البيت وخارجه، في كل ما تتطلبه الأسرة من أعباء مادية ومعنوية. وفي مجال وضع المرأة العاملة تناولت وضعها في القطاعين العام والخاص، مبيّنة أن المرأة ترغب في العمل في القطاع العام أكثر من القطاع الخاص، لأنه أكثر مساواة وحماية وضماناً لها من القطاع الخاص. فالقانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لا يحوي تمييزاً ضدّ المرأة، وكذلك القانون رقم 17 للقطاع الخاص لا يحمل ظاهرياً تمييزاً ضد المرأة، بينما في واقع الحال فإن هذا القطاع يسعى لكسب الرجل على حساب المرأة لاسيما الأم. وأضافت: هناك بعض القوانين التمييزية ضد المرأة كما هو قائم في قانون التأمينات الاجتماعية، عندما يرث الرجل العامل راتب زوجته، في حين أن المرأة العاملة لا ترث راتب زوجها، ومن هنا نجد أن الرجل صاحب قرار في كل ما يملك، بينما المرأة ليست كذلك، وهذا عائد للقيم والموروث من جهة، ولبعض التشريعات والقوانين من جهة أخرى. وأوضحت المصري أن السياسات الاقتصادية تسعى لكسب الرجل في سوق العمل على حساب المرأة بحكم وضعها البيولوجي، فالتخطيط الاقتصادي الحقيقي والفعّال يجب أن يقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية من حيث تكافؤ الفرص للجنسين معاً، إضافة إلى ضرورة تعزيز دور الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على القطاع العام، وضرورة استمرار وتعزيز دور الدولة في تقديم الخدمات العامة للناس، بالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الرسمية وغير الرسمية.

العدد 1140 - 22/01/2025