روسيا ــ أوكرانيا.. أبعد من مسألة قافلة مساعدات إنسانية
أثارت قضية إرسال موسكو قافلة مساعدات إنسانية إلى منطقة شرق أوكرانيا وجنوبها، الكثير من اللغط والانتقادات ضد الحكومة الروسية، وصولاً إلى وصفها بالغزو الروسي للمناطق الأوكرانية التي يسيطر عليها أنصار الفدرلة في جمهورية أوكرانيا.. وأعلنت روسيا أن إرسالها هذه القافلة، يهدف إلى تخفيف عبء الحصار القاتل والمتعمد على سكان هذه المناطق، والهادف إلى تجويع سكانها، وإجبارهم على الرحيل، أو الامتثال لأوامر سلطان كييف.
إذ تؤكد المعطيات الميدانية المباشرة والمتعددة الروسية والأوكرانية الرسمية الحالية، كذلك الأوربية والدولية، طبيعة الحال المأسوية التي يعانيها سكان هذه المناطق، بسبب الحصار المفروض عليهم منذ الانتخابات في مناطقهم، التي أكدت نتائجها تصويت الغالبية الساحقة منهم ضد الانقلاب (البرلماني) المدعوم غربياً، وتالياً عدم اعترافهم بسلطاته الحالية.
كما تؤكد هذه المعطيات أيضاً تعرض مدن هذه الأقاليم، وبخاصة مدينتي لوغانسك ومنتسك، لقصف وهجمات عسكرية تقوم بها قوات كييف ضد قوات الدفاع الشعبي المحلية في هذه المناطق، في الوقت الذي ترفض فيه سلطات كييف مجرد إجراء حوار مع ممثلي هذه المناطق المنتخبين شعبياً، أو مع سكانها أيضاً، وتصر على استسلامهم بوصفهم انفصاليين تابعين لموسكو، ويستوجب ذلك إدانتهم ومحاكمتهم بتهمة الخيانة الوطنية.
ورغم كل التفاهمات والتوافقات الدولية التي جرت في جنيف، والهادفة إلى حل هذه الإشكالية من خلال الحوار بين مكونات الحالة الأوكرانية، فإن سلطات كييف المدعومة أمريكياً أولاً، وفي درجة ما أوربياً، تواصل رفضها تنفيذ هذه التفاهمات، وتصر على استسلام غير مشروط، هذا في الوقت الذي يواصل فيه سكان هذه المناطق مقاومتهم لقوات كييف، ويطرحون بالتوازي مسألة الحوار والحل السياسي، والفيدرالية نظاماً جديداً في أوكرانيا.
وفي ظل عجز سلطات كييف عن حسم الخلاف – المعركة عسكرياً مع سكان المناطق الشرقية – ا لجنوبية، والخسائر الكبيرة التي تتعرض لها قوات كييف، كذلك حالات الفرار من صفوف القوات الأوكرانية وعدم الالتزام بأوامر السلطات العسكرية في كييف، فإنها لجأت مؤخراً إلى سياسة الحصار والتجويع، وإيقاف عمل شبكات الكهرباء والمياه والغاز والتدفئة، في خطوة تهدف إلى تركيع سكان هذه المناطق، خلافاً لتفاهمات جنيف الرباعية (روسيا، أوكرانيا، الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة). ومع تدهور الحالة المعيشية اليومية لسكان هذه المناطق، سعت روسيا إلى إرسال قافلة مساعدات إنسانية (غذائية وطبية)، وأعلنت رسمياً أنها تمّت بالتوافق مع سلطات كييف، ومع منظمة الصليب الأحمر الدولي.. إلا أن هذه القافلة (390 شاحنة محملة بنحو ألفي طن من الأغذية والأدوية)، قد عرقل مسيرتها القائمون على النقاط الحدودية، في محاولة منهم لمنعها من الدخول إلى المناطق المنكوبة، رغم أنها تشكل بمجموعها مساعدة طارئة لا أكثر ولا أقل.
وبدلاً من حل هذه المشكلة الإنسانية عموماً، عمدت سلطات كييف إلى اتهام موسكو باستخدام هذه القافلة بهدف تزويد (الانفصاليين) بالسلاح، رغم الإمكانية متاحة لحرس الحدود لتفتيشها والتدقيق في طبيعة حمولتها، وساندت هذا الموقف الولايات المتحدة، التي اعتبرت توجه هذه القافلة يمثل انتهاكاً للسيادة الأوكرانية، في خطوة تحريضية مكشوفة ضد روسيا، وأيدت هذا الموقف العديد من الدول الأوربية أيضاً.
وعلى الرغم من وصول القافلة بعد إيقافها أياماً معدودة مقصودة على الحدود إلى مدينتي لوغانسك ودونتسك المنكوبتين، فإن كيفية التعامل الأوكراني الرسمي معها، يؤكد حقيقة توجه وسياسة كييف الهادف إلى تضييق الخناق معيشياً- حياتياً يومياً على سكان هذه المناطق، وصولاً لى إشاعة المجاعة فيها، ويظهر في الوقت نفسه حجم النفاق الغربي عموماً في التعاطي مع أوضع إنسانية تمس ملايين البشر في هذه المناطق.
لا ينظر إلى القافلة الإنسانية على أهميتها، بوصفها قافلة مساعدات اضطرت روسيا إلى إرسالها إلى المناطق الشرقية – الجنوبية الأوكرانية المنكوبة بفعل ممارسات سلطات كييف تجاهها، بل إلى طبيعة تعاطي هذه السلطات مع جزء من الشعب الأوكراني، عنوانه الخضوع لسلطات انقلابية أو المغادرة. ويزداد هذا التعامل وحشية في ظل نفاق غربي يطالب زوراً وانتقائياً بالديمقراطية وحق التعبير والرأي، ويؤيد في الوقت نفسه هذه السياسة التجويعية لملايين من البشر.
نجحت القافلة في الوصول إلى بعض المدن المحاصرة، على أهمية ذلك، إلا أنها لن تشكل حلاً جذرياً لإشكالية مستمرة منذ أكثر من أربعة شهور عنوانها تكريس الانقلاب البرلماني بقوة السلاح والقمع، أو الحصار والتجويع ورفض الحوار والحل السياسي لهذه الإشكالية.
وفي هذا تأكيد إضافي على طبيعة السلطة الانقلابية من جهة، وعلى سياسة الكيل بمكيالين الغربية – الأمريكية من جهة ثانية، والتعاطي مع الديمقراطية وغيرها من اللافتات المشروخة وفق مصالحها وأهدافها، وطبيعة الأدوات القائمة على تنفيذها أيضاً.