إلى متى يبقى المواطن فريسة لجشع التجار؟!

كاد عمر الأزمة أن يبلغ السنتين، ولا تزال البلاد تموج بين مدّ وجزر، والمواطن­ المعتّر­ لا يستيقظ إلا على خبرٍ أو همّ قديم! فالنزف الدموي في الشارع لا يزال هو السّمة البارزة في المشهد السوري، وتجاذب الاتهامات من هنا وهناك هو الشكل الأبرز لتبرير ما يجري. ولن أخوض في هذا المجال كي لا أقع في ما وقع به ذاك الذي بحث عمّن أتى أولاً الدجاجة أم البيضة!

المواطن المسكين الذي أرهقته الأزمة المالية العالمية وما رافقها من غلاء وارتفاع في أسعار الكثير من المواد، وإن كان ذلك بشكل نسبي، لم يعد قادراً على حمل قشة مادامت تلك القشة قد قصمت ظهر بعير ذات يوم، فكيف بظهر مواطن يلدغه الغلاء كل صباح وكل مساء؟!

صحيح أنّ الأزمة الداخلية قد أرخت بذيولها على حركة الأسواق، وجعلت البعض ممّن يهتمون بأرباحهم وجيوبهم قبل كل شيء يفتحون عيونهم على المزيد من الربح مستفيدين من خوف المواطن مما قد تؤول إليه الأمور، وبالتالي قيامه بشراء ما يفيض عن حاجته.. وكما هو معلوم فإن زيادة الطلب تؤدي إلى نقص بعض السلع ومحاولة التجّار احتكارها بقصد زيادة سعرها!

وكي لا يحتج علينا من لا يروق له كلامي ويصفني بأنني بوق من أبواق السلطة كما درجت العادة، فإنني لا أعفي الدولة من مسؤولياتها سواء من خلال مراقبة الأسواق، وبالتالي عدم التلاعب بالأسعار وقيام الدولة بطرح المزيد من المواد القابلة للاحتكار في صالاتها ومراكزها، والقيام بحملات توعية يُنبّه المواطن فيها إلى عدم الوقوع في الهلع والخوف، وبالتالي تكديس الكثير من المواد في البيوت!

لكن الشيء اللاّفت هذه الأيام هو أن العديد من التجار قد حفظوا نغمة واحدة، وباتوا يردّدونها كلما احتج أحد على زيادة التسعيرة بالقول: الدولار ارتفع، وبأن بعض الدول العربية أو الأجنبية قد امتنعت عن التصدير إلينا بعد قرارات المقاطعة!

والشيء العجيب في الأمر أن أولئك التجار ما إن يتعود المواطن على التسعيرة الجديدة حتى تطرح المادة بكميات كبيرة في السوق، وهذا ما حدث مثلاً بمواد التنظيف أو مادة المتة التي وصل سعرها إلى 115 ليرة، أو علبة التبغ الحمراء القديمة التي اشتراها أحد أصدقائي بحضوري ب80 ليرة، أو حتى أسطوانة الغاز التي لا تزال شبه مفقودة في بعض المحافظات وتخضع للمزاجية والمحسوبية والسعر الفاحش الذي قد يصل إلى أكثر من 2500 ليرة! أمّا ما يتعلق بمادة الخبز فحدّث ولا حرج، إذ انخفض وزن الربطة من 1550 غراماً إلى 800 أو 900 غرام بالأفران الخاصة، برغم من كل الذي كتب وكل الذي قيل، ولكن دون فائدة!

عدد ممن التقيتهم من المواطنين برّر السكوت على جشع بعض التجار بأن الحاجة للمادة هي الدافع وراء سكوتهم، لا بل وتوسلاتهم للتاجر (المحتكر) كي يؤمنها لهم. ولكن لو بحثنا عن الرقابة التموينية وعن حماية المستهلك وما إلى ذلك من منظمات وهيئات ومديريات حكومية أثبتت فشلها وعدم قدرتها على ضبط حركة السوق، لما وجدنا لها أي أثر أو فاعلية على الأرض بشكل واضح ومؤثّر يضيف آخرون. فالتموين يحتج بأن عدد عناصره غير كاف لتغطية السوق (كما أوضح مدير تموين طرطوس حسين طيارة في أكثر من لقاء) في حين نجد أقسام التموين متخمة بالعناصر المنشغلة بشرب المتة والشاي والقهوة، فضلاً عن غياب العديد منهم وعدم وجودهم على رأس عملهم.

وهنا نتساءل عن الجولات التي على الرقابة التموينية وجمعية حماية المستهلك القيام بها على الأسواق بشكل مفاجئ ويومي تقريباً؟ في حين عبّر البعض عن استيائهم من تقاعس الحكومة عن إيجاد مخرج سريع للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لأن الغلاء الفاحش قياساً بالرواتب سيحول حياتهم إلى جحيم.. في حين عبّر بعضهم عن تفهمه للأوضاع التي تمر بها البلاد والتي قد تكون سبباً أساسياً في المستجدات على الصعيد الاقتصادي!

عند زيارة عدد من تجار المفرّق والجملة تباينت الآراء وتعددت الأسباب الكامنة من وجهة نظرهم للأزمة. فقد تحدث أحد تجار الجملة السيد محمد بأن سبب الأزمة يعود إلى تحكّم المستورد والمصنّع والموزّع بالسوق وبسعر المادة.

قسم من التجار الكبار علموا بما سيحدث قبل حدوثه وقاموا بتكديس البضائع في مستودعاتهم وامتنعوا عن طرحها للمستهلك، وكما تعلم ­ يضيف التاجر­ فإن غياب المادة وحاجة المواطن إليها يجبره على شرائها بأضعاف مضاعفة. وعند السؤال عمّا إذا كانت الأزمة حقيقية أم مصطنعة أجاب بأنها بين بين، أي أن الأحداث أثّرت والعقوبات أثّرت أيضاً. إذ إن الكثير من المواد الأولية غير متوفرة إلاّ في البلدان التي تحظّر علينا استيرادها، وبالمقابل البعض لعب دوراً قذراً باحتكاره للسلع والبضائع في مستودعاته. ومن جهة ثانية فإن ارتفاع سعر الدولار فرض زيادة على التسعيرة، إضافة إلى الزيادة التي طرأت مؤخراً على سعر المازوت، ممّا زاد في أجور النقل. وعند السؤال عن الفاتورة في ظل غياب التسعيرة النظامية أفادنا السيد محمد بأن الموزع الذي لا يعطيه فاتورة لا يستجر منه أي سلعة. وأعرب عن امتعاضه من قيام بعض عناصر التموين بأخذ عينات من السلع لاختبارها وتحليلها علماً أن تاريخ الصلاحية مسجل عليها وفي هذه الحالة لا يتحمل التاجر المسؤولية عن نتيجة التحليل إن كان هناك سوء في المادة، بل يجب أن يتحملها المعمل مادامت الصلاحية موجودة!

السيد أبو نقولا (قصّاب) تحدث عن معاناته في الحصول على ما يريد من أسواق حمص أو حماة، فهو يحصل على الذبائح من هناك، وبسبب الأحداث لم يعد قادراً على الذهاب إلى تلك الأسواق، وبالتالي وجد نفسه مضطراً لأن يقبل بالسعر الذي يفرضه عليه التاجر الذي سيورّد له الذبائح من تينك المحافظتين بحجة أن الطريق غير آمنة! إضافة إلى زيادة سعر المازوت التي رفعت أجور النقل.. طبعاً كل هذه الزيادة سترتب علينا زيادة سعر كيلو اللحم، وإلاّ فالخسارة بانتظارنا.. وعند السؤال عن حركة الشراء لم يخف انزعاجه من الأوضاع التي أثرت على البلاد بشكل عام، متمنياً أن يعم الأمن والسلام ربوع سورية بأسرع وقت.

صاحب مخبز الكورنيش السياحي تحدث عن مفاعيل الأزمة وأثرها النفسي على المواطن، الذي لم يعد يجد الوقت المناسب للخروج، فمعظم الناس في بيوتهم بانتظار المجهول.. أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار السكر التي زادت بمقدار الضعف، والنايلون وحتى الورق والطحين أيضاً. كل هذا أثر على حركة البيع وسبب زيادة في الأسعار!

أمّا صاحب فروج الملك فتحدث عن سبب زيادة سعر الفروج بالقول بأن الفروج يتأثر دوماً بالعرض والطلب. أضف إلى ذلك توقف بعض المداجن عن الإنتاج. وطالب المذكور الجهات الحكومية المعنية بتثبيت سعر الفروج بما يضمن حق الدولة وحق المربي والبائع وبما لا يرهق كاهل المواطن!

السيد حكمت (صاحب مطعم) تحدّث إلينا عن تناقص أعداد رواد المطعم، وفسّر ذلك بعدة أسباب منها ضعف القوة الشرائية، والغلاء الذي يعانيه المواطن بسبب عدم القدرة على ضبط حالة الأسعار، وارتفاع أجور النقل، والزيادة الباهظة في سعر الأعلاف. بعد تنهّدة طويلة تمنى السيد حكمت أن تبقى الدولة عصية على من يحاول كسرها، مضيفاً: بأنه مادامت المواد الأساسية كالخبز والأرز والبرغل والسكر والشاي وزيت الزيتون متوفرة فلا خوف على المواطن.. هناك أشياء كمالية يمكن للمواطن أن يتخلى عنها أو يقلل منها.

 

كلمة أخيرة لابد منها

الأزمة التي تعصف بالبلاد أثبتت عجز العديد من مفاصل الدولة على مختلف النواحي، وهذا لاشك يدفعنا للتساؤل عن التقصير في محاسبة المسؤولين عن ذلك! أضف إلى هذا غياب الدور الفاعل والحقيقي لأجهزة الرقابة من تموين وحماية مستهلك وما إلى ذلك من العناوين البرّاقة التي أفرغها الفساد الوظيفي من مضمونها.. فإلى متى سيبقى المواطن فريسة لجشع البعض وقلّة الأمانة والأخلاق للبعض الآخر؟! من المؤكد أنه بانتظار محاسبة المقصرين والفاسدين سيبقى لسان حال المواطن يقول (اللهم نجّنا من الأعظم!).

العدد 1140 - 22/01/2025