جنيف2والرغبة الروسية السورية بنجاحه

يبدو أن ما يطلق عليه اسم المعارضة المسلحة في سورية لاتزال تضع العصي بالعجلات أمام انعقاد مؤتمر جنيف ،2 بعد التوافق الروسي الأمريكي الأوربي على انعقاده في منتصف تشرين الثاني 2013. فبعد وقت قصير من إعلان مسلحي المعارضة رفضهم المشاركة في مؤتمر جنيف 2 إلا وفق شروطهم، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، في حوار مع مجلة (دير شبيغل) الألمانية، رفضه الحوار مع القتلة وحملة السلاح، ما لم يتخلوا عن سلاحهم وقتلهم للشعب السوري. والحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها، أن الشعب السوري بغالبيته العظمى غدا أكثر توقاً لانعقاد مثل هذا المؤتمر، الذي من شأنه أن يخفف معاناته ويُنهي حالة الاقتتال على أرضه. وهو اقتتال من شأنه أن يدمر البشر والحجر، فضلاً عن تمزيق الحياة الاجتماعية المتناغمة بين أطياف المجتمع السوري والتي عرفها لفترة طويلة، قبل أن تأتي الجماعات التكفيرية لتضربها بقوة.

أمام هذا الواقع المأسوي الذي أُدخلت فيه سورية الإنسان والجغرافيا، كان لابد من عمل دؤوب وجاد من الحريصين على سورية الدولة والإنسان، بغية وضع حدّ للمعاناة المستمرة في سورية. وانطلاقاً منه أتت مبادرة (الكيماوي) الروسية لتنزع فتيل العدوان الأمريكي الذي كان على وشك الوقوع، لولا المبادرة الروسية التي تلقفتها القيادة السورية بكثير من الوعي والتقبل، رغبة منها في التخفيف من معاناة الشعب السوري، وسحب البساط من تحت أقدام الأمريكان وحلفائهم بزيادة معاناة الشعب السوري، وتدمير ما بقي من اقتصاد وبنيانٍ في سورية.

وعقب التوصل إلى قرار بخصوص سورية بالإجماع في مجلس الأمن الدولي، ذكرت صحيفة (كوميرسانت) الروسية أنه بعد عامين من السجال والجدال، تبنى مجلس الأمن الدولي قراراً تاريخياً بشأن سورية، مبنياً على اقتراح روسي يدعو إلى وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت مراقبة المجتمع الدولي، بهدف إزالتها وتدميرها في وقت لاحق.

وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حديثه للصحيفة، إلى أن الأكثر أهمية هو أن هذا القرار يبقي الحل السياسي، ولا يتضمن أي تهديد باستخدام القوة العسكرية لحل الأزمة السورية. وعقب الاتفاق قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طرح مهمة وضع الأسلحة الكيميائية الباقية في العالم تحت مراقبة المجتمع الدولي توطئة لإزالتها، بعد أن أجرى محادثات مع نظيره الأمريكي باراك أوباما في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين في بداية أيلول 2013.

وعلى الرغم من صدور هذا القرار بتوافق روسي أمريكي أوربي، إلا أن الأمريكان، وكعادتهم بالنفاق والمراوغة، عادوا لطرح الخيار العسكري مجدداً والتهديد بالعدوان العسكري على سورية. وقد جاء هذا التهديد على لسان  وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وفي تعقيبه على تهديد كيري هذا قال سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا: (إن الأمريكيين يحبون أن يقولوا إن كل الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة، وإنه يتمنى أن تبقى مطروحة من دون أن يسحبها أحد من الطاولة ويستخدمها على أرض الواقع.. وسوف نبذل قصارى الجهد لكي يبقى الأمر هكذا).

والحقيقة أن الروس، بالتنسيق مع القيادة السورية، يبذلون قصارى جهدهم لعقد مؤتمر جنيف 2 وإنجاحه، ومشاركة كل الدول والقوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد السوري في المؤتمر المذكور.. ويؤكد هذا دعوة سيرغي لافروف إلى مشاركة إيران والسعودية في مؤتمر جنيف ؟.

يقول لافروف: (توجد لدى بعض شركائنا الغربيين رغبة في تضييق دائرة المشاركين الخارجيين، وبدء العملية من مجموعة صغيرة جداً من الدول، في إطار سيحدد مسبقاً بصورة جوهرية فرق التفاوض وجدول الأعمال، بل وربما نتيجة المحادثات). مؤكداً في الوقت ذاته أنه يجب عدم إقصاء دولة مثل إيران من هذه العملية لاعتبارات الجغرافيا السياسية، إنها لاعب خارجي مهم للغاية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن بعد. وتابع لافروف قوله بأن السعودية يجب أن تحضر المحادثات، مضيفاً أنه لا يستثني أي جماعة سياسية معارضة، لكنه قال: إنه لا مكان على طاولة المفاوضات لجماعات (إرهابية) مثل (جبهة النصرة) المرتبطة بالقاعدة.

والحقيقة أن رغبة الروس هذه تنسجم على نحو أو آخر مع رغبة القيادة السورية المتمثلة بانعقاد جنيف2 والرغبة الملحة في إنجاحه. ذلك أن هذا المؤتمر تعبير عن انتصار لغة العقل على السلاح، كما أنه يأتي في اللحظات الأخيرة قبل انفلات الأوضاع نهائياً في سورية وخروجها عن أي سيطرة، وقبل أن يتثبت تفتت البلاد إلى إمارات حربية يصعب على الجميع توحيدها مرة ثانية، أو التحكم بمسارها وسيروراتها وإعادة ضمها إلى دولة مركزية كاملة السيادة على جميع الأراضي السورية.. ويبقى السوريون في انتظار مآلات المؤتمر الدولي، الذي أصبح اليوم أشبه بالأمل الوحيد أمامهم للخروج من دوامة العنف التي فتكت بمقدرات البلاد خلال السنوات الثلاث؛ إذ تتجسد فكرة التجهيز لموقع أقوى لقوى الداخل في المؤتمر، عبر وحدة صفها، كإحدى الخطوات الرئيسية الكفيلة بأخذ مقرراته نحو ما يطمح إليه السوريون بحق. والحفاظ على ما بقي من مقومات الدولة السورية، والعمل على بناء ما دمرته الحرب في سنواتها القاسية.

العدد 1140 - 22/01/2025