أبناء الياسمين.. وأبو الفنون
اختتم بتاريخ 29/ 10/ 2015 العرض المسرحي (أبناء الياسمين) تأليف وإخراج مؤيد أحمد على مسرح 8 آذار في دمشق واتسم بغلبة عنصر الشباب على كادرهِ من الممثلين والفنيين، وقد تناول العرض الأحداث والفتنة التي أصابت أوطاننا وغلب عليه المباشرة في الطرح، فكانت وجوه الممثلين باتجاه الجمهور على امتداد الكثير من مشاهد العرض وهم يرددون عباراتٍ كثيراً ماسمعناها خلال هذه المرحلة واتبعوا السجع في الكثير من المشاهد حتى في مشاهد الذروة، مما أثار استغراب الحضور فكيف لإنسانٍ يصرخ ويتألم، يحاصره الخطر من كلِّ اتجاهٍ، أن يتتبع القوافي ويتقصى إيقاع السجع؟! حتى في المونولوج (الحديث إلى الذات) الذي قُدِّمَ كان هناك تكلف في اللغة وسجع.
وقد غلب على المشاهد المتقدمة من العرض التصعيد الخطابي بالتزامن مع التصعيد الدرامي وفي هذا كسر للقواعد الأساسية للفن باعتباره إيحاء وليس تصريحاً وبلاغة أو إبلاغاً.. يقول بابلو بيكاسو (نعرف جميعاً أن الفن ليس الحقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة) أما الديكور فقد حكمتهُ الميزانية الصغيرة للعرض ورغم ذلك جرى استثمارهُ على أكمل وجه، فقد استطاع المخرج مؤيد أحمد من خلال الحركة المدروسة للمثلين على الخشبة، إضافة إلى ماقام به الأستاذ هشام فرعون على صعيد السينوغرافيا، جعل تلك المنصة الصغيرة نسبياً والتي شكلت الجسد الرئيسي لديكور العرض تشغل حيزاً واسعاً من فضاء الخشبة وبالتالي تغييب الفراغ الممتد على مساحات ليست بقليلة من تلك الخشبة.
ومن عناصر الديكور الملفتة للنظر ساعة ضخمة دائرية الشكل تشير إلى ما قبل منتصف الليل بقليل على امتداد مشاهد الصراع، وفي هذا إشارة إلى أن جميع الأطراف المتناحرة توشك على دخول ذروة الظلام. أما على صعيد الموسيقى التصويرية فقد كانت إما تغيب غياباً كاملاً أو تحضرُ بقوة وبقدرة عالية على التأثير.
حُلّت عُقدة الحكاية من خلال روح تهبط من السماء لضحية من ضحايا الحرب واسمهُ (يوسف) وقد أدى الدور الممثل خالد حمزة ليطالب حبيبتهُ التي تحرّض من حولها على القتل والثأر بمطالبة الجميع بإيقاف الاقتتال. فهل يكون الحل بفكرة من عوالم الماورائيات، وانتظار المُخلص؟! وإن كان ظهور يوسف هو إرهاصات نفسية لشخصية (سلمى) والتي أدت دورها الممثلة ديالا علي فكيف حدث ذلك الانقلاب الهائل في البنية السيكولوجية لشخصية بطلة العرض المسرحي دون دخول أي حدث يؤدي إلى ذلك؟! كثيرٌ من الأسئلة التي يثيرها هذا العرض ولكن الأجدى هو تسليط الضوء على المواهب الشابة التي نجحت في إمتاعنا وإدهاشنا رغم كل مثالب ذلك العرض، ونجح المبدعون الشباب الذين لعبوا الأدوار الرئيسية – (ياسين بخاري) بدور الرجل السكير، (قصي ممدوح عبدو) بدور جامع الجثث، (ديالا العلي) بدور سلمى – نجحوا في منافسة كلٍّ من الممثلين القديرين (سمير اللوجي) و(أنور النصار) اللذان أديا دور (لصين) وكانا قادرين على اختراق وجدان الحضور بما قدماهُ من أداءٍ رفيع المستوى.
وفي الختام لايسعنا سوى تمني فرصةٍ أفضل للطاقات الإبداعية الشابة التي لم يجري ترشيدها واستثمارها في سياق عمل فني متكامل، وجميعنا يعلم أن الوحدة العضوية للعمل الفني هي مركز اهتمام جُل المذاهب النقدية، ونؤكد بصفتنا إعلاميين، وقوفنا إلى جانب تلك الطاقات الشابة التي تتمسك بتراب هذا الوطن وتجتهد في سبيل البوح بما لايستطيع عامة الناس التعبير عنه في هذا الخضم الهائل من الأرزاء.
ولعلنا نرغب اليوم وبشدة في طرح سؤالٍ على القائمين على النشاط الفني المسرحي العربي، هل الفن وسيلة ظهور؟ أم أن الفن يمارس لأجل الفن؟ أم هو وسيلة تأثير لغاية التغيير؟
وكم أتمنى أن تأتي أجوبتهم كمقولة بابلو بيكاسو (يصورُ المصور كما لو كانت هناك حاجة ملحة تدفعهُ إلى أن يخفض من إحساساتهِ ورؤاه)
يُذكر أن العرض كان برعاية وزارة الثقافة – مديرية ثقافة ريف دمشق.
*********
بطاقة العمل
تأليف وإخراج: مؤيد أحمد
الممثلون حسب ترتيب الظهور ودور كل منهم:
سمير اللوجي (لص)، أنور النصار (لص)، إميل حنا (أبو ياسر)، ديالا العلي (سلمى)، لين حديد (عجوز)، ياسين البخاري (الشاعر السكير)، المقداد الحسين (الشاب)، ياسمين الجباوي (الفتاة)، قصي عبدو (جامع الجثث) خالد حمزة (يوسف)، خير الدين عوض (رجل)، محمد حبيب (رجل)، نعيم عيروض (مجموعات)، مضر مؤيد أحمد (طفل).
الفنيون
تنفيذ الإضاءة: بدر قطيش/ تصميم الديكور: فايز مثلج وعدنان كرم/ المخرج المساعد: أنور النصار/مساعد المخرج: سمير اللوجي/ سينوغرافيا: هشام فرعون/ مدير منصة: ديالا العلي/ فوتو غراف: سعد ياغي/ معالجة درامية: إيميل حنا/ الإشراف الفني والإداري: لين حديد/ مدير الفرقة: أيمن القاضي.