الترتيب المـتأخر للاقتصاد السوري لا يعجب وزير الاقتصاد والتجارة
يتهم وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد ظافر محبك معدي التقارير والمؤشرات الدولية بوضع سورية في مصاف الدول المتخلفة أو المتأخرة اقتصادياً. بالتأكيد ما قاله الوزير في هذا المجال يشكل نصف الحقيقة أو النصف المملوء من الكأس، إذ إن ترتيب سورية في التقارير الدولية، سواء كان هناك تواطؤ ـ حسب تعبير محبك ـ أو ظلم، أم لم يك ذلك، هو تصنيف لا يرقى إلى مستوى الطموح، ولايعبر عن الرغبة التي يتطلع إليها السوريون في أن يكون وطنهم ـ اقتصادياً على الأقل ـ في موازاة اقتصادات الدول المتطورة، خاصة أن إمكانات كبيرة بشرية وطبيعية وثروات متنوعة يمتلكها الاقتصاد الوطني تحتاج فقط إلى من يستثمرها بالشكل المناسب، وإدارتها بطريقة جيدة، تحقق الجدوى من وجودها.
كما أن نصف ما قاله محبك يندرج في إطار الحملة التي تتعرض لها سورية، ولكن ثمة نصف آخر لا يمكن الاستهانة به، إذ إن الاقتناع بالتواطؤ كفعل يهدف إلى التقليل من دور وأهمية الاقتصاد الوطني، وتجاهل إجراءات وزارة الاقتصاد المتخذة لتطويره، غير كاف للركون إلى ما أكده وزير الاقتصاد. وهنا لابد لنا من الرجوع إلى الوراء قليلاً، والاستناد إلى المؤشرات التي كانت تعتمد عليها الجهات والمنتديات الدولية، ومنها مصرف وصندوق النقد الدوليين، اللذين استدرجهما الفريق الاقتصادي في حكومة محمد ناجي عطري، لإجراء دراسات على الواقع الاقتصادي السوري، ومنها المقترحات التي قدمها وفد المصرف الدولي حول التأمينات الاجتماعية، التي كادت وزيرة العمل السابقة أن تنفذها لولا المعارضة الحقيقية لهذه الطروح التي أبدتها القوى والتيارات الرافضة لوصفات المصرف والصندوق المذكورين، والريبة منهما، ومن كل ما يقدمانه سواء كمساعدات مالية أو فنية واستشارية.
كما أن سورية حصدت مقعداً متأخراً جداً في تقرير التنافسية العالمي الذي يصدر سنوياً عن منتدى دافوس. وفي تقرير عام 2007 جاءت سورية بالمرتبة 80 من أصل 131 دولة، وفي 2008 بالمرتبة 78 من أصل 132دولة، وتراجعت إلى 94 من أصل 133 في 2009 ، و إلى 97 من أصل 139 في 2010 ، وإلى 98 من أصل 142 دولة العام الماضي. وفي تقرير 2012 الذي صدر مؤخراً غاب اسم سورية عنه، نتيجة عدم قدرة مُعدّي التقرير على توزيع الاستمارات المعتادة التي يستند إليها التقرير لتصنيف ترتيب الاقتصاد الوطني مقارناً بالاقتصادات الأخرى. ورغم الشكوك بطرق وسبل توزيع وملء الاستمارات على عدد مختار من رجال الأعمال، إلا أن وجود اسم سورية فيه يعد عملاً جيداً من حيث المبدأ، وغيابها لا يخدم الاستثمار بالدرجة الأولى. لكن الظروف القاهرة التي تعيشها البلاد، والأزمة المتفاقمة حالت دون ذلك.
وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس أيضاً على المؤشرات التي يتحدث عنها صانعو السياسات والقرارات الاقتصادية في سورية، إزاء التقييم الدوري لأكثر من مجال في الاقتصاد الوطني، فمعدلات النمو المنخفضة، تشكل أهم مؤشر بالنسبة للمنظمات والهيئات الدولية، إلى جانب طرق احتسابها، وهي معدلات منخفضة عموماً ولا ترقى إلى مستوى الطموح، أو تنهض لدرجة يمكن من خلالها حل المشكلات والعقبات التي تقف في وجه الاقتصاد الوطني.
وكذلك هو الأمر في مجالات معدلات البطالة، ونسبة الإقراض المصرفي وتوزعها على القطاعات، وعدد العاملين، وانخفاض الرواتب والأجور، وتآكل الدخول بشكل عام، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية التي يعتمد عليها كل من الباحث والهيئة والمنظمة الدولية وبيوت الخبرة والمستثمر ومؤسسات الإقراض والائتمان…إلخ. ويمكن القول إن عدم اتخاذ إجراءات اصلاحية كفيل وحده لتبيان الموقف الدولي من اقتصادنا، وإن مدى تعمق الفساد وتجذره واستطالاته يُظهر الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضية فعلياً وليس بالتصريحات، وكذلك الفشل في تحقيق التنافسية، واتباع سياسات اقتصادية متناقضة مع جوهر الانفتاح والتحرير، وتناقضها أيضاً مع أسس ومفاهيم منظمة التجارة العالمية والتكتلات الاقتصادية الدولية المهمة كالاتحاد الأوربي واتفاق الشراكة الأورومتوسطية، ما يدفعنا حتماً إلى ترك عقلية المؤامرة التي عبر عنها الوزير محبك بصيغة مخففة (التواطؤ) وذهنيتها المغلقة التي ترحّل المشكلات إلى المستقبل، ولا تعالجها مباشرة، والبحث عن الأسباب الحقيقية الداخلية.
لانشك يا سيادة الوزير في أن بعض الجهات الخارجية لا تريد الخير لبلدنا واقتصادنا ومواطنينا، وهذه قناعة قديمة، ولم تتغير الآن، ولن تتبدل بحسب الظروف. ولكننا على ثقة مطلقة أن الواقع يبقى أصدق من كل التقارير والدراسات والتحليلات والمواقف، هذا الواقع يمثل الصورة الحقيقية، ويشكل المعيار الذي لابد من الاحتكام إليه، أولاً، قبل التوجه إلى استخدام أدوات أخرى تقيس علمياً مدى تطور وتقدم هذا الاقتصاد أو تخلفه، أو مدى تراجع مؤشراته. ونعتقد أن واقعنا الاقتصادي بمؤشراته الكلية وحجم الضرر الذي لحق به، والحيف والظلم الذي تعرض له، سيرغم هذا الاقتصاد ليكون في آخر سلم التصنيفات الدولية. خاصة أن بنيته التحتية تعرضت للتهديم الممنهج. وبحكم المؤكد ثمة تواطؤ داخلي تجاه الاقتصاد الوطني، للمحافظة على بقائه كما هو، مراوحاً في مكانه، غارقاً بمشكلاته، متعباً بقضاياه، هذا التواطؤ هو الذي نحتاج للحديث عنه يا سيادة الوزير، قبل ذلكم التواطؤ الخارجي الذي لم يتوقف يوماً.