بوح سر على شطآن الذاكرة!
ذات خطيئة
غفا الخريف على أعتابِ ربيعٍ مسافر من البعيد إلى البعيد.
وفي غفلة من الزمن هربت تلك الساعة التي تمايلت فيها السماء مع عشب الحلم، وسافرت شلالات الليل مع الريح.
كنتُ وأحزاني وبحر ما نتسكع في المكان.
لا أدري يومئذ، ماذا قلتُ للبحر.
لكن ما أذكرهُ.
في الليلةِ التي اكتمل فيها رحيل القمر.
جاءَ البحر واتكأ بكل التعب على كتفي وسألني معاتباً:
أين أشرعة وصولها؟
أين وعدُ الربيع من عينيها؟
أين كنتَ حين سلّت أيامها من أزمنتك؟
أين كنتَ حين أحرقت برحيلها بنفسجاً باحَ لعينيها المسافرتين أبداً بكل أسرار الحنين واحتضان الياسمين؟
في تلك الساعة الهاربة من القانون، أباح شعرها العبثي قتلك في الأشهر الحرم.
كانت أصابعها تحاكي امتداد المطر الخفيف على تراب قديم.
أسكرتك برائحة الأرض المبللة بالفرح.
مدَّتْ يدها للقمر، استعارت إحدى جدائله وجدّلت أرجوحتك الأخيرة رويداً رويداً.
أتذكر يا صديقي عندما أرسلتني رسولاً لمليكتك؟
سافرتُ إليها محملاً باشتياق مسافر مجنون تاهت فيه الدروب.
وقفتُ أمامَ أسوارِ ياسمينها الغافي على الغيوم، طرقت على البراعم طرقاً خفيفاً.
ولما تجلَّت.
قدَّمت القرابين لعينيها في معبد المساء.
وبعد ركعتين وألف وضوء.
جمعتُ قليلاً من ذاكرة المكان لأزفه لك، استوقفني شيءٌ ما مُخبأ في عينيها، وكأنهُ يقول أيها البحر لا تبتعد كثيراً، وعد قبل الربيع لتأخذ هذا البحَّار الغريب، فلا يوجد في مملكتي محطات حنين وانتظار.
وعادت إلى قاعاتها الفارهة تقرؤك وترسم وجهها في عيون نبلاء قصرها العاجي.
ارجع يا صديقي من حيثُ أتيت، فأنا وأنت قدرنا أن نوصل شراعاً ما إلى ميناء ما، ولا شيء ينتظرنا إلا عزلة موحشة وأرجوحة أخرى.
صمتَ هُنيهة وعادَ يسألني: لمْ تقل لي أين كنت؟
لا أدري لماذا رفعتُ يده عن كتفي، ونظفت ذاكرتي من كلماته، ودون أن أجيبهُ أو أنظر إليه،
حملت أرجوحتي على كتفي ورحت أطأ ذكرياتي الشارع تلو الشارع، والمدى تلو المدى، بحثاً عن آثار عينيها على شطآن الذاكرة؟!