غياب الكهرباء والصيادون في المياه العكرة

 

 

الأزمات المعيشية تفرض ضرورة

التنسيق  بين مختلف الجهات الخدمية

 كان لأزمة الكهرباء التي تمر حالياً على المنطقة الجنوبية، نتيجة الاعتداء الإرهابي  على خطّيْ الغاز العربي وغاز العمر المغذيين لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة الجنوبية، أثر بالغ على شتى مناحي الأنشطة اليومية للمواطنين.

 

حتى المياه لم تسلم

من الاستغلال!

من المعروف أنه، لدى انقطاع التيار الكهربائي، تنقطع أيضاً مياه الشرب، وبالطبع هذا ما حدث في أزمة الكهرباء الحالية، فقد بدأت ملامح أزمة المياه تظهر في العديد من المناطق وخاصة في ريف دمشق، وتجلت مظاهر هذه الأزمة في العديد من الأمور، فقد أخذ المواطنون بتعبئة غالونات المياه من المناطق والمرافق العامة، بعد أن فرغت (خزانات) المياه في منازلهم نتيجة انقطاعها لأكثر من أسبوع، وفي كل أزمة معيشية يظهر قناصو الفرص مستغلين احتياجات المواطنين! وبالطبع لم يكن ذلك ليحدث لو لم تتوفر لهم البيئة المناسبة لهذا الاستغلال، وتمثلت هذه البيئة، في عدم تلبية وحدات المياه في العديد من المناطق لحاجات المواطنين من المياه، وذلك بذريعة عدم توفر مادة المازوت اللازمة لتشغيل المضخات الخاصة بالمياه، أو نتيجة حدوث عطل معين في المضخات، مع الإشارة إلى أنه في كل مرة يحدث انقطاع لتيار الكهرباء يرافقه انقطاع في مياه الشرب، أي تكرار السيناريو نفسه.. ولكن مع غياب الحلول الناجعة لهذه المشكلة، ودون أي تحرك لمعالجة هذه الظاهرة، مما يشير إلى غياب التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية، ويطرح سؤالاً مفاده: أين التنسيق بين شركة المحروقات ومؤسسة المياه في تزويد وحدات المياه بمادة المازوت من أجل تلبية احتياجات المواطنين من مياه الشرب؟

حتى المياه لم تسلم من الاستغلال كما ذكرنا، فقد أخذ أصحاب صهاريج المياه باستغلال حاجات المواطنين، ورفع الأسعار على هواهم، واختلفت أسعار مياه الشرب من مكان إلى آخر، وذلك حسب بعد المنطقة وحسب نوعية المياه، وحسب أيضاً أخلاق صاحب الصهريج، ولكنها بالمجمل تراوحت ما بين 150و200 ليرة للبرميل سعة 200ليتر، ورافق أزمة المياه أيضاً زيادة الطلب على (خزانات) المياه، إضافة إلى زيادة الطلب على مضخات المياه التي أخذ المواطنون بتركيبها على شبكة المياه، من أجل ضخ المياه لخزاناتهم.. وبالطبع هذا الأمر يجب مكافحته من قبل مؤسسة المياه لأنه يعتبر تعدياً على الشبكة وتعدياً على حقوق المواطنين الذين لا يملكون مضخات، فيجب تنظيم ذلك، وأن يكون لكل بناء مضخة واحدة لجميع الخزانات، بحيث يكون الضخ متساوياً للمنازل وليس لمنزل على حساب منزل آخر.

 

تغيّر عادات الاستهلاك

أزمة الكهرباء أدت أيضاً إلى تغيير في عادات الاستهلاك لدى المستهلكين، وخاصة أننا على أبواب موسم المونة، مثل الفول والبازلاء وغيرها من الخضروات، مما أدى إلى ضعف الطلب على مواد مونة الشتاء، لأن الكهرباء غير متوفرة وقد يعرّض ذلك المونة إلى التلف، كما لجأ العديد من أصحاب محلات اللحوم، سواء البيضاء أو الحمراء، إلى بيع ما لديهم   بأسعار متدنية ومتوسطة نوعاً ما، خوفاً من تلفها، في حين لجأ البعض الآخر إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية في عملية التبريد، مما رفع أسعار اللحوم أكثر في الأسواق،  لأن عنصر التبريد دخل في التكلفة.

المستهلك حالياً أصبح لا يشتري سوى حاجته اليومية فقط من اللحوم سواء الفروج أو لحوم العواس أو غيرها من أنواع اللحوم، مما خفض الطلب في الأسواق على هذه المواد، كما لم يعد المستهلك يشتري سوى حاجته اليومية من الألبان والأجبان والحليب، لأنها سريعة التلف في ظل غياب التبريد بانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

إذاً يمكن القول بأن أزمة الكهرباء الحالية أثرت على أنماط الاستهلاك، وعلى طبيعة العرض والطلب في الأسواق، من حيث المواد التي تحتاج إلى تبريد وحفظ، ورفع الطلب على المواد الأخرى التي لا تحتاج إلى تبريد.

 

القطاع الصناعي..

وارتفاع عنصر التكلفة..

القطاع الصناعي لم يكن أيضاً بعيداً عن الآثار السلبية التي سببتها طول ساعات تقنين الكهرباء، فقد أثر ذلك على إنتاج المعامل والورش سواء الصغيرة او المتوسطة، واعتمد أغلبها على المولدات الكهربائية، التي بالطبع لا تعمل على الهواء بل على الوقود، سواء البنزين أو المازوت.. وبالطبع لا يخفى على أحد أن الوقود أصبح مكلفاً للغاية، وأصبح العمل على المولدة الكهربائية يكلف الكثير في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، فالبنزين رفع سعره إلى 120 ليرة لليتر، وهو يباع بأكثر من ذلك في الكثير من المحطات، كما أن سعر المازوت لا يزال مرتفعاً رغم انخفاض الطلب عليه، لأننا في فصل الصيف، ولا يزال يباع الليتر بحدود 73 ليرة، أي أن أي صناعي سيضع تكاليف باهظة جداً لكي يبقي عجلة الإنتاج دائرة، مما يعني ذلك إضافة بند جديد إلى عناصر التكلفة، وبالطبع يعني ذلك في نهاية المطاف رفع السعر النهائي للمنتج، على حساب المستهلك.

في الختام نقول إن أي اعتداء إرهابي على قطاع الكهرباء هدفه هو إضعاف بنية الاقتصاد السوري، وتكبيده خسائر كبيرة، سواء أكانت مباشرة وغير مباشرة، وقد كان مدير التخطيط في وزارة الكهرباء بسام درويش، قد أوضح أن الأضرار غير المباشرة التي طالت الاقتصاد السوري، والناجمة عن قطع الكهرباء بسبب العمليات التخريبية قدرت بنحو 800 مليار ليرة سورية، محسوبة على أساس قيمة الـ(ك. و. س) غير المُخدم تعادل 50 ل.س/ك. و.س، على أساس سعر الصرف 50 ل.س للدولار.

ونأمل في نهاية الحديث أن يكون هناك تنسيق بين الجهات الخدمية الحكومية لتلبية احتياجات المواطنين وقت الأزمات، وأن يكون لديها دائماً سيناريوهات بديلة، بحيث تكون قادرة على إدارة المخاطر ومواجهة مختلف الظروف الطارئة، لأن غياب الخطط البديلة في العمل، يعني ذلك العمل بشكل عشوائي، وهذا الأمر لن يؤتي أكله، بل على العكس قد تكون آثاره سلبية أكثر.. كما نأمل من الجهات الرقابية عدم التهاون مع أي مستغل أو محتكر لأي خدمة أو سلعة تمس احتياجات المواطنين.

العدد 1140 - 22/01/2025