العرب أكدوا مبادئ الجامعة العربية.. والأوربيون ينسقون ضد داعش

هل هي صحوة أمريكية.. أم استمرار للمناورة؟

بعد أن وصل سيف الإرهاب إلى رقاب (أصدقاء) سورية اللدودين، وبعد انكشاف السلوك الأمريكي البهلواني المناور، الذي لعب على حبال عدة، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإدانة دولية للمجموعات الإرهابية التكفيرية، مكتفية بتسمية (داعش والنصرة)، وصدر قرار مجلس الأمن الذي يعاقب تحت الفصل السابع من يساند ويدعم هاتين المجموعتين الإرهابيتين.

السلوك الأمريكي هذا يتوهم أن الشعوب العربية حفنة من (الهبلان)، تخلوا عن عقولهم وإدراكهم وأدلتهم، وأنهم سيسبّحون بحمد أوباما وإدارته وشركائه ليل نهار بعد صدور القرار الأممي، أما ذاكرتهم وما اختزنته من أدلة ومؤشرات عن صانع المجموعات الإرهابية وممولها، وراسم دورها، ومتعهد رفدها بـ(القاعديين)، ويدرب (جهاديين) في معسكرات الأردن والبحرين، هذه الذاكرة يمكن مسحها بـ(كبسة زر)!

الإيجابية الوحيدة للقرار الدولي هو الاعتراف بالخطر الذي يمثله الإرهاب التكفيري، لا على سورية والعراق ولبنان فحسب، بل على المنطقة بأسرها، وعلى السلم العالمي.

السوريون لم يتوقعوا يوماً (صحوة) الأمريكيين، فقد قدر لهم أن يجابهوا وحدهم أدوات الإرهاب التكفيري ومجازره بحق المواطنين السوريين.

الرئيس أوباما انطلق لسانه المعادي لداعش بعد اقترابها من الخط الأحمر الذي يمثله الحلفاء العراقيون، لكن حماسته اشتعلت إثر مقتل الصحفي الأمريكي ذبحاً بأيدي (الداعشيين):

إن داعش لا تتحدث باسم أي ديانة، إن عقيدتهم فارغة، إنه سرطان يجب القضاء عليه..

هل كان على أوباما الانتظار حتى يتحول الإرهاب التكفيري، الذي عدّه (برداً وسلاماً) على الشعب السوري، إلى خطر يتهدد الإقليم، بل العالم بأسره، كي يعترف بسقوط سياسته المناورة في الأزمة السورية.

لنقرأ ما قاله وزير الدفاع الأمريكي هاغل للصحفيين: إنهم يمثلون تهديداً وشيكاً لكل مصالحنا، سواء كانت في العراق أو أي مكان آخر.. إنهم ليسوا مجرد جماعة إرهابية، فهم يجمعون بين العقيدة والقوة العسكرية المتطورة، لديهم تمويل جيد، هذا يفوق أي شيء شاهدناه.

السؤال يا سيد هاغل: من أين لهم القوة العسكرية المتطورة، وأنتم قمة التطور العسكري الذي قدم ومازال يقدم خدماته لعتاة الإرهاب العالمي؟ وكيف يمولون، وأنتم تعلمون بكل دولار يجري تحويله من حساب إلى آخر في جميع مصارف الدنيا؟

المواقف الأوربية لم تخرج عن الخط الأمريكي المرسوم، فالسيدة ميركل أبدت استعدادها لمساعدة البرزاني، كذلك أبدى كاميرون رغبته في التدخل العسكري لوقف تجاوزات (داعش) في العراق، وتلوح في الأفق خطة أمريكية أوربية لمساعدة شمال العراق، حتى لو تطلب الأمر (احتلال) العراق من جديد!

الصحافة العالمية تلمح إلى اقتراب (استدارة) الأمريكيين نحو التعاون، ولو بشكل غير مباشر، مع السلطات السورية لمكافحة الإرهاب الداعش، كذلك يسعى الأوربيون إلى تنسيق مواقفهم لاتخاذ سياسة أكثر واقعية تجاه التعاون مع سورية، بهدف مكافحة الإرهاب الأسود.

أما نحن فنقول: لماذا الأقنية الخلفية، ولماذا الأطراف الثلاثة؟ ليكن هذا التنسيق- إذا كانت النوايا صادقة- ضمن الأطر الرسمية العلنية. فلتفتح السفارات المغلقة، ولتتوقف العقوبات والحصار الاقتصادي الجائر الذي سهّل للإرهاب تهديد الدولة السورية، ولتتوحد جهود المجتمع الدولي للوقوف بوجه إرهاب أسود يشكل تهديداً مباشراً، لا للسلم العالمي فحسب، بل لكل ما أنتجته الحضارة الإنسانية.

على الصعيد العربي أسفر اجتماع الدول العربية الخمس (الأعضاء في مجموعة الاتصال الدولية المعنية بالشأن السوري)، المنعقد بتاريخ 24/8/2014 في جدة، حسب البيان الرسمي، عن الاتفاق على خطر نمو الفكر الإرهابي المتطرف، والاضطرابات التي تشهدها بعض الدول العربية. وجرى خلال الاجتماع بحث مستجدات الأوضاع في سورية، وضرورة التعامل مع هذه الأوضاع على نحو يحفظ للدول العربية أمنها واستقرارها في إطار المبادئ التي أنشئت من أجلها الجامعة العربية.

ولا ندري هنا هل المبادئ التي أنشئت من أجلها الجامعة العربية تعني الحفاظ على الاستقرار والسيادة وعدم (التدخل)، أم تعني تخريب هذه الدول، وتحويل الإرهاب التكفيري بهدف هدم كيانات الدول العربية، وقتل شعوبها، وحرق منشآتها وقطاعاتها المنتجة؟!

البعض اعتبر هذه الإشارة إلى مبادئ الجامعة تراجعاً خليجياً عن دعم الإرهاب، لكننا مادمنا نعاني من مجازر الإرهابيين وجرائمهم، لا يمكننا التفاؤل بكلمة هنا، وتعبير هناك.. السوريون مصممون على مواجهة الإرهاب، وهم خلف جيشهم الوطني ماضون في ضرب قواعده وأدواته، وفي الوقت ذاته يحضرون لمرحلة جديدة عنوانها المصالحة، وإنهاض الاقتصاد الوطني وإعادة الإعمار.

إن جمع كلمة السوريين عبر الحوار الوطني الشامل، هي كلمة السر في تحقيق صمود سورية، والمضي نحو مستقبلها الديمقراطي.. العلماني.

العدد 1140 - 22/01/2025