الانسحاب من الحياة الاقتصادية نهج حكومي فاشل

تثبت الحكومة مرة جديدة أنها عاجزة عن إدارة الحياة الاقتصادية في البلاد، وغير قادة على تحريك الشأن الاقتصادي بما يتطلبه من سرعة ومرونة ودقة تلبية لاحتياجات المواطنين الأساسية أولاً، ومن ثم تأتي القضايا الأخرى التي تبدأ من حماية المنشآت الاقتصادية على تنوعها، ومعالجة مختلف المشكلات الاقتصادية والتنموية.

وما يؤكد  تراخي الحكومة، عبر أجهزتها المختلفة المنوط بها توفير الغذاء والدواء للمواطن بالدرجة الأولى، رغبتها العارمة. أي الحكومة. في توسيع مروحة المعنيين والمشاركين في إدارة الملف الاقتصادي، ولكن بطريقة تثير التساؤلات، وتدفع إلى التوقف ملياً عند قراءة بعض القرارات الحكومية والمواقف الرسمية الداعية إلى زج فئات من الشباب وشرائح من المواطنين لحماية الأسواق، فضلاً عن القرار المفصلي المتمثل بالسماح للقطاع الخاص استيراد المازوت والفيول، كما فعلت سابقاً بالسماح لهذا القطاع استيراد الغاز، دون أن يؤدي إلى أية جدوى.

بلا شك، ثمة دور كبير وجوهري للمواطن في ضبط الأسواق، وتحسين سبل توزيع المواد التموينية الأساسية، ولاسيما الخبز والمازوت والغاز، هذه المواد التي تتعرض، وتشهد، في آن واحد، أزمات متكررة، تضع رقاب المواطنين تحت سيف ومقصلة تجار الأزمات، والسماسرة، وضعاف النفوس، وشركائهم في تجارتهم البائرة هذه. إلا أنه لا يمكن فهم أن يزج المواطن زجاً، ليمارس دوراً رقابياً غير مطلوب منه، مع الأخذ بالحسبان أن للمواطن دوراً رقابياً، لا يتمثل بتوزيع بعض المواد، لأن السؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل عجزت الحكومة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن إيجاد موظفين نزيهين وأكفاء للقيام بمثل هذا العمل؟ يمكن للمواطنين أن يشاركوا في معالجة أزمة المواد الأساسية، لكن سبل معالجتها الرئيسة تتمثل بدور الحكومة، لاسيما في هذه الفترة. أما أن يمارس المواطنون الدور المنوط بالجهات الحكومية فهذا غير قابل للتطبيق، ولايمكن أن يكون حلاً كما يرى البعض، فلكلٍّ دور يمكنه عبره من ممارسة واجبه والصلاحيات المتاحة له.

  من جانب ثان، أثار السماح للقطاع الخاص باستيراد مادتَيْ المازوت والفيول العديد من التساؤلات، التي يمكن اختصارها بتخوف من مد اليد إلى الاحتياطي الموجود. لاسيما المازوت. وخضوعه للتجار أيضاً، والفاسدين بحجة استيراده. وقد يكون هذا القرار صحيحاً في مضمونه، ويأتي رغبة من الحكومة في مواجهة الحصار الاقتصادي، والعقوبات المفروضة على سورية، والتي طالت قطاع النفط، ما أدى إلى تفاقم أزمة المحروقات في البلاد، فضلاً عن العوامل الداخلية التي أدت إلى تعذر نقل المازوت. وإذا كان من حق الحكومة البحث عن سبل لمواجهة كل هذه الضغوط، فإن من حق المواطن أيضاً الحصول على السلع والمواد بالسعر المناسب وبالجودة الجيدة، دون أن يهمه مَنِ المستورد، أو مَنِ الجهة التي ستقوم بتزويده بالمواد الأساسية، التي لابد من خضوعها للرقابة.

حاولت الحكومات السابقة الانسحاب التدريجي من الحياة الاقتصادية، وفسح المجال للقطاع الخاص أن يعمل ويكون اللاعب المُسيطر والمُستحوذ على قطاعات بعينها، فانتقلنا بذلك من الاحتكار الحكومي إلى احتكار القطاع الخاص لعدد كبير من النشاطات الاقتصادية، وفي كلا الاحتكارين مشكلةٌ أساسية، هي استبعاد طرف مهم عن المنافسة، وله دور محوري، ويمكن أن يكون ناجحاً في عمله، وبالتالي خسارته، وخسارة نشاطه في هذا المجال. ومن الثابت أن الاحتكار لن يولّد سوى الاستحواذ، ويغّيب التنافسية، ويخلق مشكلات تتعلق بتردي جودة السلع، ويسهم في رفع الأسعار. وأدى الانسحاب الحكومي الممنهج من الحياة الاقتصادية إلى فوضى في الأسواق، وتراجع الإنفاق الاستثماري العام، وخلق بطالة جديدة، وتراجع في معدلات نمو قطاعات الإنتاج الحقيقية، وغيرها من المشكلات الاقتصادية التي عادت بالسوء والخسارة على المواطن السوري واقتصاده.

إن إعادة السيناريوهات الفاشلة لامبرر له، ويفترض أن نستفيد من التجارب الناجحة بالدرجة الأولى، وهذا مايحتاجه الواقع الاقتصادي السوري الحالي، الذي يطلب من حكومة الحرب، أن تتعامل تعاملاً يتناسب والمرحلة، بحساسيتها ودقتها، ومتطلباتها، وتحدياتها، دون الركون إلى الواقع الذي لايسر الخاطر، أو رمي الكرة إلى شباك الأخرين. 

العدد 1140 - 22/01/2025