3 ملايين فقير 1.3 مليون عاطل عن العمل و48.4 مليار دولار خسائر الاقتصاد السوري وحصاد الأزمة المرير
يترنح الاقتصاد السوري تحت تأثيرات الأزمة التي تعيشها البلاد منذ 23 شهراً متواصلة. وبدأت معالم وآثار وانعكاسات هذه الأزمة تظهر بوضوح وجلاء على الاقتصاد، لجهة معدلات نموه المنخفضة، وارتفاع نسب بطالته، والانكماش الاقتصادي، والتضخم، والتذبذب الحاد في أسعار صرف الليرة، والغلاء الكبير الذي لا يترك مجالاً للمواطنين من ذوي الدخل المحدود للتنفس. وسيكون الاقتصاد السوري، مادة دسمة جداً للمحللين ومراكز الأبحاث، لتقدير خسائره، وحجم الأضرار التي لحقت به.
وفي الآونة الأخيرة، أظهر تقريران، حال الاقتصاد السوري المتردي، والتوقعات التي بأفضل حالاتها تؤكد أن الاقتصاد السوري خسر الكثير من إمكاناته التي يصعب تعويضها بسرعة. التقرير الأول للمركز السوري لبحوث السياسات جاء بعنوان (الأزمة السورية.. الآثار الاقتصادية والاجتماعية)، قدر خسائر الاقتصاد السوري حتى نهاية العام الماضي ب 48.4 مليار دولار بالأسعار الجارية، والذي يعادل 81.1 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 بالأسعار الثابتة لعام 2000. معتبراً هذه الخسائر كبيرة مقارنة بالخسائر التي نتجت عن النزاعات الداخلية في دول أخرى. وتوزعت هذه الخسارة بحسب المركز على 50 % خسارة في الناتج المحلي الإجمالي، و43% في مخزون الرأسمال. إضافة إلى 7% تمثل الزيادة في الإنفاق العسكري نتيجة الأزمة.
ويقدر المركز أن تؤدي الأزمة إلى نمو سالب في الناتج المحلي الإجمالي لسورية بمعدل 3.7 % (سالب) عام ،2011 و81.8 % (سالب) العام الماضي. أما من الناحية المالية العامة فتشير التحليلات إلى أن الأزمة تقود إلى ارتفاع حاد في عجز الموازنة الحكومية نتيجة لزيادة الإنفاق الحكومي الجاري المترافق مع انخفاض العائدات انخفاضاً كبيراً. ولتمويل هذا العجز تستخدم القروض المحلية بشكل رئيسي. وتدل المؤشرات وفقاً للمركز على أن الأزمة أثرت تأثيراً كبيراً على سوق العمل.
ويقدر التقرير خسارة الاقتصاد السوري ل 1368 ألف فرصة عمل حتى نهاية العام الماضي. كما أن آثار الأزمة انعكست في تقديرات دليل التنمية البشرية الذي يتوقع أن ينخفض بسبب الأزمة ليصل في نهاية 2012 إلى مستوى أقل مما كان عليه عام 1993. أي أن البلاد خسرت إنجازات عقدين من التنمية البشرية عاكساً التدهور في مؤشرات الدخل والتعليم والصحة. وأثرت الأزمة أيضاً في معدل النمو السكاني وذلك بارتفاع معدل الوفيات عام 2012، إضافة إلى زيادة عدد اللاجئين والمهاجرين إلى خارج الأراضي السورية. ويؤدي ذلك لمعدل نمو سكاني سالب عام 2012 يصل إلى 2.5% (سالب).
ويقدر التقرير زيادة الفقر المادي، إذ دخل 3.1 ملايين شخص دائرة الفقر العام منهم 1.5 مليون دخلوا دائرة الفقر الشديد. يضاف إلى ذلك أن خريطة الفقر تغيرت تغيراً كبيراً، إذ تبين زيادة أعداد الفقراء في المناطق الأكثر سخونة في حلب وحمص وإدلب وريف دمشق ودرعا. ويضاف إلى ذلك الأحوال المعيشية المتدهورة للاجئين والنازحين الذين يعانون فقراً متعدد الأبعاد يحرمهم من خياراتهم في حياة كريمة.
التقرير الثاني الذي تصدره سنوياً لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعنوان (الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم في 2013)، أطلقه النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري من بيروت، إذ يشغل مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة وكبير الاقتصاديين في الإسكوا، أكد أن سورية خسرت في العامين الماضين 35% من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يصل إلى 20 مليار دولار. بينما خسرت اليونان على سبيل المثال في كل أزمتها 1% من إجمالي الناتج المحلي. وتسبب الحظر النفطي على سورية بخسارة تقارب4 مليارات دولار. وهذا أيضاً أدى إلى انخفاض في الإيرادات الحكومية بنحو 25% في عام 2012. كما يشير التقرير إلى أن الناتج الإجمالي السوري تراجع في العام الماضي بنحو 29%.
أفرزت الأزمة ما هو أعمق من ذلك، لأنها كشفت على مدى الشهور الماضية، مدى التخبط وغياب التخطيط لمواجهتها، وعدم وجود سيناريوهات قادرة على التقليل من حجم المخاطر، ودرء حالة المس بالاقتصاد ليبقى بالنسبة للسوريين الموئل الوحيد الذي اعتادوا عليه، لتأمين لقمة الخبز، مهما كانت الظروف. وللأسف الشديد بات الاقتصاد الوطني جزءاً من اقتصادات العالم المنهارة، أو التي تشارف على الانهيار، مادامت الأزمة مفتوحة الأبواب، ومسلسل الخسائر مستمراً، وإمكانية تحييد الاقتصاد عن الاستهداف والتدمير بعيد المنال. وكل المؤشرات الآنفة الذكر، سواء اتفقنا معها أم لا، تبقى تقديرات، والأنكى أنها تقديرات أولية، ما يعني أنها قد تكون إلى زيادة، وما قدمته الوزارات من تقديرات حول خسائرها يعزز ما نشر، وهذا دليل آخر يثبت أن الخسائر الاقتصادية تتعاظم. خسائر الاقتصاد ليست مجرد أرقام، ولا هي نسب مئوية، أو معدلات سالبة، يتم المرور عليها ببساطة، هي الواقع المأسوي الذي سيصحو عليه السوريون في لحظة تجلٍ لابد أنها آتية، آجلاً أم عاجلاً، لحظة سيجدون أنفسهم فيها وقد فاتهم القطار.