وزارة حماية المستهلك بين الأمل المنشود والواقع المؤلم
قبل البدء بالحديث عن الفائدة التي نالها المواطن والخدمات التي انعكست على البيئة السورية من إحداث وزارة حماية المستهلك والتجارة الداخلية وعملها، لا بد من الانطلاق من بعض المعطيات المهمة التي جعلت المواطن والدولة ينتظران الكثير من أدائها، وهي:
أولاً:إنشاء وزارة باسم حماية المستهلك بعد سنوات من إلغاء وزارة التموين والتجارة الداخلية، التي كانت من ضمن مهامها الأمور التي أنيطت بالوزارة الجديدة. وقد ألغيت الوزارة السابقة بناء على اقتراح الفريق الاقتصادي بحكومة العطري، ضمن إطار إعادة الهيكلة لتنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي حابت البعض على حساب الوطن والمواطن. إن العودة لتشكيل وزارة جديدة هو الإقرار بفشل السياسات السابقة وسوء تنفيذ برامجها وسوء البرامج على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى المواطن ومعيشته، من خلال زيادة معدلات الفقر والبطالة بمعدلات مؤثرة.
ثانياً: تسليم هذه الوزارة للنائب الاقتصادي الجديد الذي كان من ضمن الأشخاص الذين انتقدوا بشدة وتواتر الفريق الاقتصادي السابق، وخصوصاً النائب الاقتصادي، وبرامجه النيوليبرالية، وخاصة أن كلامه ومقابلاته قد جعلت المواطن يتفاءل كثيراً باستلامه لهذا المنصب عبر تسليط إعلامي كبير وتفاؤل منقطع النظير.
ثالثاً:بحكم كونه النائب الاقتصادي الجديد يعني: أنه قادر على التحكم بكل القرارت التي تصب في خانة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأغلب القرارات المؤثرة على وزارته الجديدة، وبالتالي هي أهم قناة لتنفيذ برنامجه الذي يمثل ثقل البرنامج الحكومي. وهنا أتذكر ندوة الثلاثاء الاقتصادي عام 2008 بعنوان: الفساد وسوء توزيع الثروة، ومداخلة النائب الاقتصادي الجديد بأنه إذا أعطوه مخفر عرنوس للشرطة يستطيع الانقضاض على الفساد بسورية، وبالتالي ما أوكل للنائب الجديد إضافة إلى مهمته كنائب اقتصادي تعطيه السلطات الكبيرة والآليات القادرة على تنفيذ وعوده البراقة وتخفيف الأعباء الثقيلة عن الوطن والمواطن قدر المستطاع. فللوزارة الجديدة خصوصية وأهمية كبرى لانعكاس قراراتها وسوية تنفيذها على معيشة الشعب السوري وتخفيف معاناته، من خلال أزمة عميقة ومعقدة ومؤثرة.
ثالثاً: ولأنه معارض كبير لأغلب السياسات السابقة، فإنه لن يكون هناك تقييم سلبي مسبق لتصرفاته وقراراته، وبالعكس سيكون هناك مراعاة كبيرة لها.
ولكن
أغلب المتابعين من مواطنين وباحثين فوجئوا بالأداء السلبي الذي انعكس عليهم وباءً جديداً يضاف إلى معاناتهم النفسية الناجمة عن الدماء والدمار. ولم يلاحظ المتابع أي تغيير بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية عن ما سبق، وإنما استفحال كبير لغلاء الأسعار وتنوعها من دون أي ضابط أو رادع مترافق باحتكار فظيع وافتعال الأزمات مترافقاً مع دولار لا يقف عند حد من دون وجود المبررات المناسبة لتحديد سعره. على الرغم من توفر المخزون من جهة، ونسيان دور مؤسسات التدخل التابعة للوزارة، والتي كان لها دور مهم في تخفيف ارتفاع الأسعار والتخفيف منه فيما سبق، وبالتالي افتعال أزمات وقود وغاز وخبز،بحيث تتوفر بسعر السوق السوداء بأي كمية، ولا تتوفر بالسعر الحقيقي في كل المناطق، حتى المناطق البعيدة عن الوضع الأمني السيئ، والعودة لرفع أسعار البنزين والمازوت بعد وقوع أزمة كبيرة لتوفرها إلا بسعر السوق السوداء، وهو نتيجة سوء التوزيع والفساد في بيعها. وبعد اختلاق الأزمة ورفع سعرها أصبحت متوفرة في المناطق الآمنة وبسعرها الجديد، وكذلك أسعار الرز والسكر الذي رفعته المؤسسة الاستهلاكية، مدعية أنها لا تستطيع تحمل الخسائر. وهو تبرير لا معنى له في وجود الأزمة، ولا يدل إلا عن طريق رفع الدعم الذي كان أغلب الشعب والمؤسسات ضده، ومحاباة لمن يستورده أو يخزنه من القطاع الخاص. وعادت التبريرات لرفع سعر المازوت أنه يهرب، والسؤال كيف توقف التهريب بعد رفع سعره إلى 35 ل.س، وكان يباع ب100. ولو كان التهريب هو السبب لاستمر التهريب، واللبيب من الموضوع يفهم، وخاصة بعد أن أصبح جزء منه يستورد عبر القطاع الخاص. علماً أن قرار رفع سعر المازوت الذي خفض في بداية الأزمة سبب الكثير من السلبيات الاقتصادية والاجتماعية، ومأخذ على النائب الاقتصادي السابق، أنه وراء القرار الذي أساء لكل أشكال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكان د. قدري جميل أهم من انتقد الحكومة السابقة ونائبها الاقتصادي بسبب هذا القرار، وبسبب الانتقادات خفض سعر اللتر من 25 إلى20ثم إلى 15 ليعود ويرفعه إلى 35. وبعد أن فرض السعر الجديد أصبحنا نسمع بتسكير محطات وتشميعها وملاحقة توزيع المازوت، أي بعد تفاقم الأزمة ورفع السعر. إضافة إلى أسعار كل المواد الاستهلاكية التي وضعت معيشة المواطن في أسوأ أشكالها. وبالتالي لم يكن عمل الوزارة الجديدة فأل خير للمواطن الذي انتظر منها الكثير، وإنما هي استمرار للسياسات السابقة وأسوأ من قبل. وإن التغييرات التي حصلت على الكوادر لم تكن إلا تغيير وتدوير القبعات. بالمحصلة كل مسؤول مسؤول عن قطاعه وعن الكوادر التي يعتمد عليها، وإن فوضت لهم السلطات تظل مسؤولية رأس هرم القطاع هي الأساس، لتفرغه للمراقبة والمتابعة. ولكن ما طرأ على فلتان الأسعار وعلى القرارات التي حصلت يدل على قصور بالآليات وسوء بالتنفيذ، رغم توفر كل أدوات النجاح بعيداً عن الأزمة التي أصبحت حمالة الأسية للبعض ليرمي عليها كل السلبيات. والمنطق يقول: إن هناك أموراً تتأثر، ولكن العمل الصحيح والنية والإرادة الصادقة قادرة على تجاوزها..