بالتّنوع والاختلاف.. تستمر الحياة

تستعين الورود بأرجل النحل وأجنحتها لنقل الغبار من زهرة إلى أخرى.. والنحل لا يمكنه أن يصنع العسل من غير احتكاكه بالورود.

والعواصف  لا تقدر على التدمير من دون أن تساعدها رمال الصحراء وحصى الجبال، والقلاع العالية لم ترتفع لولا وجود الصخور الكبيرة في أسفلها، إذ إن أبراجها العالية تعتمد على الحجارة المنخفضة كي تبقى صامدة.

والأقلام  لا تكتب القصائد والروايات أو ترسم اللوحات من غير الأصابع، والأصابع لا تستطيع أن تتحرك إذا لم تكن مرتبطة ارتباطاً قوياً بالسواعد والأكتاف.

والبذرة لا تنمو وتكبر وتعطي ثماراً إذا لم تتعاون مع التربة التي زُرعت فيها، والبرق لا يحدث إذا لم تعاونه غيوم السماء على التوهج  والالتماع، والقمم العالية قد لا يظهر علوُّها إذا لم تتساقط عليها الثلوج.

والضعيف قد يغدو قوياً  إذا اتحد مع ضعيفٍ آخر. فكل قوة لابد أن تكون قادمة من التعاون والاتحاد، وكل خطرٍ لابد أن يكون آتياً من التفرقة.

وكل شجرٍ عالٍ لا يحمل علوه ويستمر من غير الجذور المخفية عن أعيننا، والمعروفة جيداً لقلوبنا ومشاعرنا وكل بحر  واسع كان سبب اتساعه كثرة السواقي والأنهار التي تصب فيه.

أي أن الأشياء الكبيرة ليست سوى أجزاء صغيرة جمعت واتحدت…. والقوية العظيمة ليست إلا إرادة وصبر وقوة احتمال، فالبراكين لم تكن لتصبح كذلك لولا قوة احتمالها وصبرها على الجمر والنار، والشمس العظيمة لا يصلنا نورها إلا بعد احتراقه فوق سطحها، وبعض العظماء لم يصيروا لو لم ترتبط أيامهم ولياليهم بالصبر والانتظار…

وعلى مدى السنين والأيام أثمر صبرهم المرّ وانتظارهم الطويل أشياء حلوة ولقاءات جميلة مع أحلامهم وإبداعاتهم.

في الحياة دائماً وأبداً لابد من وجود أشياء صغيرة تكمّل ما هو كبير ومختلف عنه،  وذلك بذوبانه وانصهاره معه وفيه، فالجسد لا يمكنه الطيران من غير ذيل، والوجه لا يمكنه أن يرى من دون عينين،

فباتحاد المتفرقات الصغيرة يحدث الاكتمال العظيم، فالحديد الساكن في هياكل القصور والقلاع سيبقى من غير فائدة إذا لم نطله ونضف إليه الأسمنت الطري والأحجار الصغيرة، بالطري والصغير تقوى القصور وتستمر القلاع في شموخها وبقائها.

إن فراشة واحدة لا تكون ربيعاً، وزهرة يتيمة لا تصنع حديقة، وصخرة كبيرة لا يمكن أن تُوضع منفردة في أساس أي قلعة، ونافذة وحيدة لا تغني عن الباب، وكلمة واحدة لا تصنع قصيدة.

لابد من اجتماع ما يحدث هنا وهناك كي تصبح الأمور على ما يرام، وهل يمكن لقوس قزح أن يتكوّن من لون  واحد؟ أو تحدث العواصف من خلال غيمة ضعيفة؟ أو يكبر العقل وتتسّع مداركه بقراءته لكتاب  وحيد؟! .

تكتمل الحياة باتحاد الضعيف مع القوي، والصغير مع الكبير، والصلب مع اللين، والقسوة مع الرحمة، والنار بوجودها إلى جوار الثلج والماء، والحكمة باتحادها مع الحزم والتواضع ، والنجاح بوجود الإرادة والصبر إلى جانبه.

إن ما يجعل الحياة ذات مغزى ومعنى وأبعاد ليس تفرّدها وارتداؤها لثوب واحد ولون  يتيم، بل لابد من اختلاف أطرافها كي تغدو حياة ذات قيمة ومعنى، ولا تنضج الثمار الفجة إلا بوجودها إلى جوار الثمار الناضجة الآيلة إلى السقوط.

العدد 1140 - 22/01/2025