سعر الصرف غير المسبوق.. الليرة تخسر 100% أمام الدولار والمضاربون طلقاء
خسرت الليرة السورية في عامين أكثر من 55% بالمئة من قيمتها، وفقاً للتقديرات الرسمية، ونحو 75 بالمئة، حسب بعض الخبراء واستناداً لأسعار السوق السوداء التي وصلت إليها أسعار الصرف المتصاعدة. وتضيق أمام الليرة وأسعار صرفها السبل، وتقل الفرص الممكنة لاستعادة قيمتها، أو المحافظة عليها عند حد معين، دون السماح بمزيد من الخسارة، والحيلولة دون استمرار ضعفها، بعد فشل المصرف المركزي في لجم الارتفاع الحاد في أسعار الصرف أو كبحه.
وصول أسعار الصرف إلى مستويات جديدة، غير مسبوقة، تثير الخوف في نفوس الجميع، نظراً لانعكاسها على حيوات الناس، وتهديدها بخسارات مؤكدة، لأصحاب المدخرات، والخسائر المباشرة التي تلحق بالعملة الوطنية. إذ إن وصول سعر صرف الدولار في الأسواق السوداء إلى أكثر من 120 ليرة في نهاية الأسبوع الماضي، أثار الأسئلة القديمة المتجددة، حول الأسباب الكامنة وراء عدم معالجة تواتر تصاعد أسعار الصرف، وتراجع قيمة الليرة في سوق العملات؟ وكان كافياً أن يوقف المصرف المركزي تمويل المستوردات، بذريعة التدقيق في البيانات والأوراق التي يتقدم بها المستوردون، حتى تتحرك عجلة أسعار الصرف بسرعة، بدفع من المضاربين، وتجار السوق السوداء. وترك الأمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، والجميع ينظر إلى الارتفاع السريع والتدريجي لسعر الصرف، من أقل من 90 ليرة للدولار، إلى أكثر من 120 ليرة. ومن الطبيعي أن يسبب هذا السعر المرتفع، الهلع والخوف للناس. فعندما يشعر المواطن أن قيمة ليرته ليست كما يجب، أنها تخسر قيمتها تدريجياً وبشكل يومي، فلن يقف مكتوف الأيدي كما فعل مسؤولو المصرف المركزي، الذين تركوا هذا السعر يرتفع ويرتفع، قبل أن يتدخل المركزي، والتدخل المتأخر يكلف الكثير من الخسائر.
تتهاوى قيمة الليرة، بفعل الكثير من العوامل، بدءاً من الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عامين متواصلين، وانعكاس ذلك كلياً على الاقتصاد والليرة. إضافة إلى وجود عوامل أخرى لا تقل أهمية عن الأزمة، فهناك التراجع في الصادرات الذي كان يسهم في توفير قطع أجنبي كاف، يستخدمه مرة ثانية رجال الأعمال في عمليات الاستيراد، إضافة إلى الضغوط المتزايدة على الاحتياطي من القطع الأجنبي لتأمين تمويل المستوردات، وانحسار الدولار الذي كان يتأتى من السياح، الذين تراجع عددهم إلى 600 ألف سائح العام الماضي، وغيرها من الأسباب الاقتصادية البحتة، التي أدت إلى زيادة الضغط على الليرة، وساهمت في تراجع قيمتها. وظهور أسعار صرف لايمكن السيطرة عليها ببساطة، نظراً لتداخل السياسي بالاقتصادي في موضوعة أسعار الصرف.
ويصر المسؤولون عن متابعة الليرة وشؤونها، وأسعار الصرف وشجونه، من المصرف المركزي وغيره، على التركيز على دور الأسباب السياسية ومايجري في سورية، والأزمة التي تعصف بها، لخلق مبررات لتهدئة الغليان الكبير في مرجل أسعار الصرف، ووضع كل الأسباب الاقتصادية الأخرى في الدرجة الثانية. كما يتجاهلون أن إدارة المصرف المركزي لقضية أسعار الصرف، خلقت مشكلة جديدة، بدلاً من حلها للمشكلة الأساسية، وساهمت في صب الزيت فوق نار أسعار الصرف الملتهبة. فالطرق التي اتبعها المركزي أثبتت فشلها، وأكدت الضعف الكبير في مهارات وإمكانات الكادر الذي يدير الأزمة، وعدم قدرته على التعاطي معها من منظور اقتصادي ومالي. إذ إن المركزي بدأ ببيع القطع الأجنبي للمواطنين، ضمن شروط محددة، رغم تحذير الكثير من الباحثين والمحللين الماليين والنقديين، وتنبيههم إلى مخاطر هذا الإجراء الذي يبدد احتياطي القطع الأجنبي، ويترك الليرة بلا ملاءة تحميها، ويضع الاقتصاد الوطني في فوهة بركان. واستمر المركزي في مخالفة القواعد البسيطة لإدارة الأزمات المالية، وسمح لشركات الصرافة التي يدير معظمها حالياً، كبار المضاربين، والمتاجرين بالعملة، وتجار السوق السوداء، سمح لها وأعطاها حقاً حصرياً لبيع القطع الأجنبي للمواطنين والتجار، وحرم المصارف صاحبة الشأن والدور، من بيع الدولار وفقاً للقانون. كما أن طريقة المزادات التي اتبعها المركزي، تجاه حل الأزمة سابقاً، أثبتت عدم جدواها، واستئثار شركات محددة بملايين الدولارات التي كان يبيعها المركزي إلى شركات الصرافة.
عامان ولم يتمكن المركزي من تثبيت سعر الصرف، بل ثمة آراء تبدو غير متقاربة رسمياً، لتحديد سعر صرف ثابت ومستقر لليرة، ضمن الهوامش الاقتصادية والمالية والنقدية السائدة تبعاً للظروف الحالية، وحسب تصريحات صحفية، يرى حاكم مصرف سورية المركزي أن (القيمة الحقيقية لليرة السورية تتراوح بين 90 و 92 مقابل الدولار الواحد)، بينما رأى مدير عام المصرف التجاري السوري (أن سعر 100 ليرة مقابل الدولار هو سعر ممتاز في السوق السوداء). وهذه التقديرات، تعكس أن سعر الصرف على مدى عامين ارتفع من 48 ليرة وسطياً مقابل الدولار إلى الحد الآنف الذكر الذي يعترف به المسؤولون عن سعر الصرف، وإلى أكثر من 120 ليرة في السوق السوداء في الأيام الماضية. ومع كل هذا يخرج حاكم المصرف المركزي عن صمته، ويطلب من المواطن (عدم المضاربة على الليرة)، وكأنه لا يعرف المضاربين بعينهم على الليرة في السوق؟ والسؤال: لماذا يتركهم طلقاء؟ القضية اليوم لايمكن اختزالها بارتفاع أسعار الصرف غير المسبوق، بل هي في الفشل في تثبيت سعر الصرف، تلك هي القضية.