تحديات تفوق قدرات الحكومة موازنة 2014 لا استثمارات وخطر توقف عجلة الانتاج
تغيب الأوليات الاستراتيجية عن مشروع موازنة الدولة للعام القادم، المقدرة اعتماداتها بـ 1390 مليار ليرة، ويظهر العبء المالي الضاغط على بنود الموازنة، بشكل واضح، فالبلاد التي أمضت 31 شهراً في الصراع الداخلي، تقف موازنتها عند الحد الأدنى المطلوب. إذ إن المشروعات الاستثمارية متوقفة، والإنفاق الاستثماري في موازنة العام القادم مشروط بالمشروعات الضرورية والملحة فقط، ومنها المشروعات التي بلغت نسبة التنفيذ فيها أكثر من 60%.
ناقشت الحكومة مشروع الموازنة والبيان المالي، وسيحذو حذوها مجلس الشعب الحكومة يوم الأحد القادم، وبحكم المؤكد فإن الحكومة وضعت نصب عينيها الوضع المالي المتأزم والخانق، بدليل أن الزيادة البالغة سبعة مليارات ليرة مقارنة بموازنة ،2013 تؤكد بروز صعوبات مالية جديدة، نتيجة العزوف عن تسديد الضرائب والرسوم، وتوقف عجلة الإنتاج، وما يرتبه هذا من صعوبات جديدة على صعيد تأمين السيولة المالية. وثمة تحديات ضاغطة وملحة ومؤرقة لحكومة وائل الحلقي ـ الموسومة بحكومة الحرب ـ في موازنة العام القادم، أبرزها استمرار الأزمة الدامية التي تتوسع رقعتها الجغرافية لتشمل كل أرجاء البلاد، وما يتطلبه ذلك من زيادة لابد أنها حاصلة في الإنفاق العسكري ـ الأمني، وهذا تحدٍّ يبدو غالباً لكل التحديات الأخرى لدى الحكومة، والعامل الأبرز في كل تفاصيل الحياة المحلية. أما التحديات الأخرى التي لا تقل أهمية عما سبق ذكره، فأبرزها تحدي انطلاق عجلة الإنتاج لاسيما في القطاعات الحقيقية، إذ من المتوقع أن ينضم قطاع الزراعة في ضوء المؤشرات الحالية إلى القطاعات الأخرى المتوقفة عن الإنتاج جزئياً، لعدة أسباب، أولها ما يتعلق بالحالة الأمنية الممتدة على كل المناطق وما يرافقها من صعوبة جديدة في القيام بالزراعة بالشكل المطلوب، وثانياً- موقف الحكومة الضعيف تجاه دعم هذا القطاع وتأمين مستلزمات الإنتاج، وثالثاً- ارتفاع مخاطر الزراعة حالياً نتيجة الأوضاع الراهنة، ورابعاً -ارتفاع كلف الإنتاج مقارنة مع الأسعار السائدة. كما يبدو قطاع الصناعة يسير في اتجاه التوقف الكلي، فالقطاع الخاص الصناعي على ما يبدو في الرمق الأخير، بينما القطاع العام الصناعي يحاول أن يواجه التحديات بصعوبة بالغة، أما الإجراءات الحكومية لحماية المنشآت الصناعية وقرارات نقلها إلى ما يسمى بالأماكن الآمنة، وعدم توفير الحماية اللازمة لها، جعل من إمكانية دوران عجلة الانتاج الصناعي صعبة، وبالغة التعقيد. أما السياحة المتوقفة منذ بدء الأزمة، فلايمكن أن تنطلق قبل أن تضع الأزمة في سورية أوزارها، في حين تبدو القطاعات الأخرى الخدمية كالمصارف، التي لم تمارس دوراً تنموياً مهماً قبل الأزمة، وشركات التأمين والصرافة وقطاع العقارات.. إلخ لا ينتظر منها أن تؤدي دوراً تنموياً، فيما الصراع السوري على أشده.
هذه التحديات المتمثلة بتوقف عجلة الإنتاج، وضعت الحكومة أمام خيار صعب، يتعلق بزيادة الإنفاق الإداري، مع غياب الموارد التي تغذي خزانة الدولة، المتأتية من الضرائب والرسوم، وفوائض القطاع العام الاقتصادي، ما يدفع الحكومة إلى العودة مجدداً للتفكير بسبل وطرائق أخرى لتأمين السيولة اللازمة للإنفاق بشقيه، الإداري والاستثماري، وعلى ما يبدو أن زيادة الرسوم والبحث عن مطارح ضريبية مباشرة، هو الديدن الحكومي.
لا جديد إذاً، في موازنة العام القادم، سوى ما تخبئه الحكومة في ملف الطاقة، والتوقعات التي لن يكون أقلها تحريك جديد لهذا الملف، صعوداً، لتصبح أسعار المازوت والغاز والبنزين والكهرباء المحلية أسعاراً عالمية، وبذلك تغلق الحكومة أحد أبرز الملفات الساخنة، في الاقتصاد الوطني، وما عدا ذلك يبقى تحصيل حاصل، لاسيما في ضوء وضوح التحديات، وما يجب التركيز عليه في موازنة العام القادم؟ وما تستطيع أن تفعله الحكومة؟ وما المطلوب منها لتخفيف آلام مواطنيها؟ وأي القطاعات التي يجب التركيز عليها؟ وهل بات الوقت مناسباً لمعالجة آثار الأزمة في سورية؟ أم أن استمرار الأزمة يمنع من التفكير بهذا الموضوع المهم؟ وهل نحن بحاجة إلى إعادة الإعمار في موازنة العام القادم؟ أم التقليل من منعكسات الأزمة بحدتها المتزايدة؟ هي أسئلة جوهرية لم تتطرق إليها الحكومة، في كل التسريبات التي تناولت ما جرى أثناء مناقشة مشروع موازنة 2014.
ثمة معيار مهم، لابد من الاستناد إليه، إن كانت الحكومة فشلت في الالتزام بوعد قطعته على نفسها في 14 تموز الماضي، يقضي ببيع المواطن 2 كغ سمنة و مثلهما زيتاً، بأسعار مدعومة من خلال دفتر العائلة، فهل ستكون قادرة على تحقيق انطلاقة في الموازنة العامة للدولة ،2014 التي من المفترض أن تعبر عن طموحات الناس؟