حتى أنت يا بوتين؟!
(أضحكتموني وأنا لا أريد الضحك) هذه العبارة التي يرددها العامة في بعض المواقف، أجدها معبرة تماماً عن حالي حين أتابع التصريحات الكوميدية لبعض رؤوس المعارضة بأصنافها اليمينية والعسراوية، الفندقية والخندقية، وبنات أخت الإمبريالية. وأطرفها ما صدر مؤخراً عن رئيس أركان جيشهم المتيم بالحرية، عقب صدمته بنكوص الضربة الأمريكية، إذ راح يتهم الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف، بتلقي الرشا من رجل أعمال سوري معروف بثرائه وموالاته! فما كان مني إلا أن ضحكت (مع أني لا أريد الضحك)، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية. واطمأنت نفسي لأن اقتصادنا متين جداً لدرجة أن رجلاً واحداً من عندنا يستطيع رشوة دولة خطيرة مثل روسيا. فليس من المستحيل أن نفاجأ برجل أعمال آخر من البلد يمد يده إلى طرف جيبه ليقدم رشوة لأوباما ووزيره الجميل، الذي أحبه كثيراً، لأن اسمه يذكرني بنوع لذيذ من الجبن.. وعندئذ تحل المشكلة بيننا وبين الولايات المتحدة – ويا دار ما دخلك شر – ونستطيع وقتئذ أن نغيظ جيراننا الأشرار ونقول لهم (يا عواذل فلفلوا).
لكنني في الحقيقة أحسست بالقلق كعادة العرب بعد أن يضحكوا، فنحن لا نتوقع خيراً بعد الضحك، وأنا بصراحة توجست شراً حين فكرت بذكاء ذاك الرجل الذي يظن أن بوتين موظف في البلدية يمكن (تطبيقه) ببعض الليرات. وسبب خوفي هو أن وجود رجل بهذه العبقرية في صفوف أعدائنا يجعل انتصارنا عليهم مستحيلاً. بل تخيلت أن ملكاً من ملوك الخليج قد وقف على المنابر وراح يجعر: (والذي نفس عبد الله بيده، لو أن عندي من أمثال إدريس عشرة لفتحت العالم، ثم لعنت أبا هذا العالم). والحقيقة أن هناك أكثر من عشرة من شكله، لكن لحسن الحظ أن الملك لا يحسن العد، لأن بطاريته ضعيفة، رغم أنها تشحن كل يوم. وإذا أراد أستطيع أن أدله على بعض من هؤلاء الذين (فقسوا) حديثاً حولنا ولي بهم معرفة. إذ أستطيع أن أصفهم بلغة محلية بالقول إن (خرجهم صغير) يعني لا يتطلبون كثيراً، لدرجة أن أحدهم على ما أذكر وهو صاحب مجلة ذكي يعرف من أين تؤكل الإعلانات ، لم يكن يخوض المعارك مع الزملاء إلا بسبب الطعام، أي حين يتجاهل المعنيون دعوته إلى مآدب العشاء التي تقيمها وزارات الدولة على حساب عمالها وموظفيها! وهو حالياً عند أمه الحنون الولايات المتحدة التي عليها أن تدرك أن (المتعود ع المناسف لا يشبع من همبرغر). أما ثانيهما فقد تدرب أثناء وظيفته العامة على لعب دور (نصير المستضعفين)، فكان بارعاً باللعب على الحبلين، إذ يظهر أمام زملائه العمال والموظفين مدافعاً شرساً عن حقوقهم، ويظهر أمام رؤسائه قادراً على ارتجال القصائد الحماسية بالمناسبات العظيمة، مثل ترقية مديره إلى منصب أعلى، أو (طهور) ابن مدير مكتب الوزير. وهذه المواهب مكنته من الوصول إلى الموقع النقابي الذي كان يرجوه. وما إن بدأ يقطف ثمار منصبه،و ينبت له بعض الريش حتى جاءت موضة الثورة، فرفرف الأخ بجناحيه وطار مصدقاً أنه بطل، ظناً منه أن الأرض ستنشق لانشقاقه، لكن بعد أيام صار نسياً منسياً عندنا وعند خالته فرنسا التي لجأ إلى بيتها.