الأعلى… ليس الأغلى

صحيح أن الحاجب أعلى من العين، والغصن أطول من الثمرة،و الدخان أكبر من النار، والشعر أعلى من الرأس، إنما لا يمكن للحاجب أن يأخذ دور العين، ولا للغصن أن يكون أغلى من الثمرة، ولا للشَّعر أن يرفع من قيمة الرأس.

وقد يعيش الإنسان بلا حاجب، إنّما حياته ستكون تعيسة إذا فقد عينيه!

وهل غطاء الرؤوس يغيّر ما تحت الرؤوس من أفكار ونوايا؟

وهل بإمكان الضفادع أن تحتفظ بالتّيجان المذهّبة، والعقود الجميلة إذا وُضِعت على رؤوسها وحول أعناقها؟ أم أنها ستترك وتعيق كل ذلك لتعود وتقفز إلى المستنقع؟!

إن لكل حجر في الحياة مكانه، ولكل نهر طريقه، ولكل بحر أسراره، ولكل رجل زمانه.

(وذو المروءة يُكرّم وإن كان فقيراً، كالسّبع يُهاب وإن كان رابضاً، وعديم المروءة يُهان، وإن كان موسراً، كالكلب يُرجم وإن طُوِّق وحُلِّي. ومحادثة مَن لا عقل له بمنزلة مَن يضع الموائد لأهل القبور).

وما أتفه كل صغير تكبّر، وما أشرف كل كبير تواضع! وقد يسكن القلاع والقصور مَن هم دون مستوى حجارة القلاع، وأرخص من حشائش حدائق القصور. وقد يرتفع الكوخ ويصبح قبلة الناس إذا سكنه عالِم أو قطنه حكيم، إذ إن الأمكنة ترتفع وتصبح غالية بالقاطنين فيها، لا بأحجارها الكبيرة، ونوافذها الجميلة، وأبراجها العالية. (ويرتفع قدْر المكان بارتفاع قدْر السكان).

ألا تعيش الصراصير داخل أفخم القصور، وتظّن أن القصر بُني من أجلها، وأجل بيوضها؟!

أَوَ لا يسبح في مياه الأنهار العذبة التماسيح والأفاعي، وتشرب منه الضباع والخنازير، والسحالي والحشرات السّامة؟!

بعض الناس قادر على الارتفاع والتّحليق، لا بارتقائه وتسلّقه للجبال والسلالم العالية، بل يرتفع بوعيه، ويحلّق بخياله فيستمتع ويفهم أكثر، ولا يحدث ذلك إلا لقلّة قليلة من البشر.

وإذا خرجت السمكة من البحر، فلن تقدر أن ترى النجوم والشمس والوجوه بالطريقة نفسها التي كانت ترى فيها كل تلك الأحياء والأشياء حين كانت تسبح داخل البحر. جنّتها البحر، وجحيمها اليابسة، خُلقت لتعيش وتحيا داخل المياه، إنما الإنسان ليس بسمكة، وإن كان يعيش بيننا مَن هم بمستوى الأسماك، وعددهم لا يُحصى!

(إن العالِم يعرف الجاهل لأنه قد كان جاهلاً من قبل، والجاهل لا يعرف العالِم لأنه لم يكن عالماً، وكما لا يُنبت المطر الصّخر، كذلك لا ينتفع السّفيه ولا يرتفع البليد بكثرة التّعليم والعلم).

وإذا غابت الشمس، فلا يعني غيابها غياب البصر والبصيرة عن قلوب العارفين، والفجر لا يُعطي عطره وأنفاسه النّقية إلا لمن سهر الليل ينتظر ولادة نوره.

العدد 1140 - 22/01/2025