اللصوص… متعهدو الحروب..!
حدثني صديقي أبو محمود عن الملقب أبو تنباك، بينما كنّا نتبادل أطراف الحديث عن الأوضاع السائدة هذه الأيام فيما يتعلق بزيف الادعاء الدولي بخصوص الحرص على ثروات الشعوب، والسعي الحثيث من بعض الدول القوية لتعميم ما يسمّى الديمقراطية والحرية، في حين تتناسى هذه الدول الطريقة التي تتبعها لتأمين تلك الديمقراطية والحرية المزعومة !
وبالعودة إلى القصة التي ذكرها لي صديقي فهي تتلخص بأن المدعو (أبا تنباك) كان مشهوراً بزراعة مشاتل التبغ، وكان في كل عام يزرع زيادة عما يحتاجه أهل القرية. وعندما كانت زوجته تتساءل عن السبب كان يشير لها بسبابته إلى صدغه، في إشارة إلى أنه يملك عقلاً راجحاً يعرف به كيف يدبّر أموره.
أبو تنباك هذا كان يبيع أهالي القرية شتول التبغ، كلٌ بحسب حاجته ومساحة أرضه المستصلحة لهذه الغاية. وكان يستيقظ في الليل ويحمل معه مقصاً صغيراً يقوم بواسطته بقص ساق الشتلة وتركها معلقة بشكل بسيط جداً مما يوحي بأن حشرة ما هي التي قامت بهذا العمل.
أهالي القرية الذين كانوا يفاجؤون بشتول التبغ المقصوصة كانوا يسارعون إليه بقصد شراء شتول أخرى بديلة عن تلك المقصوصة ليقوموا بزراعتها مرة ثانية، وهكذا تتكرر العملية حتى تنتهي كل الشتول لديه.
عندما كان الأهالي يسألونه عن الحشرة كان يدّعي أنها تخرج في الظلام وتقوم بالتهام الشتول وتقطيعها. كان يقول لهم بأن هناك مبيداً للحشرات عليهم اقتناؤه. وهكذا كان يبيعهم ما أحضره من المدينة لهذا الغرض! لكنهم بعد أن استخدموا ذلك المبيد لسنوات عديدة لم يجدوا أي فائدة من ذلك فاستسلموا للواقع.
الشيء اللافت في الأمر أن لا أحد من أبناء قريته انتبه إلى ذلك لولا أن زوجته راقبته بعد مضي سنين على عمله هذا، وزلَّ لسانها في صباح أحد الأيام، بينما كانت تشرب الشاي برفقة جارتها أم محمود.
وهناك حادثة مشابهة لهذه القصة، ولكن على مستوى الدول لا الأفراد. وهو ما قرأته في كتاب (العراق، احتلال مُريح) للكاتب باتراب شاترجي، الصادر بالفرنسية. ويورد الكاتب فيه أدلة ووثائق عن استراتيجية السطو وسياسة النهب والتلاعب التي اتبعتها الولايات المتحدة مع الكويت قبل العراق، إذ أظهرت التقارير الصحفية التي صدرت بعد خروج الجيش العراقي من الكويت سنة ،1991 أنّ تدمير المنشآت النفطية وإشعال الآبار قام به الجيش الأمريكي أو عملاء الاستخبارات الأمريكية بهدف تأمين عقود للشركات الأمريكية لإعادة بناء هذه المنشآت واستخدام خبراء ومهندسين أمريكيين في هذه العملية.
إن التقارير والوثائق والصور التي عرضها سابقاً الإعلامي رفيق لطف، ومن ثم مراسل الفضائية السورية في دير الزور محمد العرسان، عبر قناة الإخبارية السورية والفضائية السورية، والتي تتعلق بإشعال خطوط وآبار النفط في تلك المنطقة، وعمليات السرقة والتهريب، يذكِّرنا بما كانت تقوم به الأيدي الآثمة بحق الشعب العربي في الكويت والعراق، وحالياً في سورية.
وبالعودة إلى ذلك الكتاب نجد أن الكاتب يشرح بالحجج الدامغة والأدلة والبراهين القاطعة، كيف أن عمليات النهب لم توفّر قطاعاً من القطاعات، بدءاً بالنفط ومروراً بالكهرباء ووصولاً إلى عمليات التفجير والتخريب في البنى التحتية، بهدف إعادة الإعمار والصيانة.
ويضيف الكاتب كيف أن الشركات الأمريكية تأتي بالعمال من الولايات المتحدة فتدفع للمهندس الأمريكي راتباً يصل إلى 8000 دولار، بينما تدفع للمهندس العراقي بحدود 100 دولار. في حين يكلف الكلب الأمريكي الموكل بالحراسة عشرة أضعاف ما يكلف الحارس العراقي. علماً أن كل هذه الأموال والتكاليف تؤخذ من الموازنة العراقية ومن موارد الدولة.
إذا كان أبو تنباك قد استغل بساطة أبناء قريته وطيبتهم، وإذا كان عملاء المخابرات الأمريكية في الكويت أو العراق قد استغلوا الخلافات القائمة هناك، فإننا في سورية الأبية قد عقدنا العزم على قطع اليد التي تمتد إلى مقدرات شعبنا، معتمدين في ذلك على الله وعلى الشرفاء في هذا الوطن، وعلى رجال الجيش العربي السوري، الذين أذهلوا العالم لأكثر من سنتين من عمر الأزمة..!