هل أحسنت التربية فعلاً بقرار الدمج في صفوف مدارسها بالسويداء؟
كثر اللغط حول موضوع دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإلزامي في مدينة السويداء. فهناك مؤيد للتجربة وآخر رافض لها، إلا أن البلاغ الوزاري الصادر عن وزارة التربية برقم 2640/543 (4/3) تاريخ 13/10/،2001 أكد دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعليم، بهدف حصولهم على فرص متكافئة وخدمات تربوية تناسب قدراتهم واحتياجاتهم، بغية تحقيق ديمقراطية التعليم وإلزاميته.
أصدرت وزارة التربية معايير قبول الأطفال ودمجهم بالمدارس ورياض الأطفال بتعميمها رقم 4234/543(4/13)، تاريخ 26/10/2009 ،مؤكدة قبول الدمج حسب قدراتهم واستعداداتهم لمشاركتهم الفاعلة مع أقرانهم في جميع الأنشطة المدرسية، وإعدادهم للحياة العامة وفق أسس منها أن لا يزيد عمر الطفل عن أقرانه أكثر من سنتين، وأقرب لسكنه، ومدرسة مؤهلة للدمج، وعدم تجاوز تلميذين اثنين في الشعبة الواحدة، وأن لا يتجاوز عدد التلاميذ في الشعبة التي يوجد فيها ذوو الاحتياجات الخاصة عن ثلاثين تلميذاً. ولتقييم الأطفال المسجلين شكلت لجنة محلية تضم (طبيباً من الصحة المدرسة، منسق الدمج المحلي، موجهاً تربوياً للتعليم الأساسي، مرشداً نفسياً، مرشداً اجتماعياً).
في السويداء التقينا المرشدة نبال عماشة، التي أوضحت أن عملية الدمج غير صحيحة، لأنهم يشعرون بالدونية تجاه أقرانهم من التلاميذ الأسوياء، وهي لم تحقق الفائدة العلمية. وترفيعهم للصفوف الأعلى تلقائياً، دون تحسن علمي أو نفسي. وتكون إيجابية فعلاً، عندما تخصص شعب خاصة مزودة بكل الوسائل التعليمية والتربوية والصحية ومعلمون متخصصون بصعوبات التعلم وغيرها من الإعاقات، ومرشدون اجتماعيون لفهم ذاتهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم، واستغلال إمكاناتهم الذاتية من خدمات ومهارات في تعديل السلوكيات من أجل الوصول إلى الأهداف الصحيحة والناجحة في حياتهم. أما الإيجابيات فتكون في تكوين صداقات، ومنحهم الإحساس بالانتماء إلى الجماعة، وتعليمهم الالتزام بالنظام وإلغاء فكرة العزل، وتغيير نظرة المجتمع السلبية، وتعليم التلاميذ الأسوياء كيفية التعامل والانسجام معهم. أما السلبيات فهم لا يأخذون حقهم في التعليم، بسبب الأعداد الكثيرة من التلاميذ في كل شعبة، مما يسبب عدم قدرة المدرس على الاهتمام الكافي، كذلك عدم توفر الخبرة الكافية للتعامل معهم.
زرنا ميدانياً بعض مدارس الدمج، منها مدرسة (سلمان أشتي)، فبينت المرشدة الاجتماعية رشا صعب أن التجربة إيجابية من حيث اعتبار هذه الفئة من المجتمع، وحقها في ممارسة الحياة الطبيعية والعلمية. لكنها بحاجة إلى خريجي تربية خاصة، في المدارس، بحكم تنوع الاختصاص، إذ ثمة حالات تحتاج إلى ممارسة الحياة اليومية، وليس التحصيل النمائي والعلمي فقط.
الآنسة انتصار نجد، وهي معلمة في غرفة المصادر في المدرسة ذاتها، أوضحت أنه يوجد حالات الإعاقة الذهنية والعقلية وصعوبات التعلم، لكن الصعوبات في القراءة والكتابة والإملاء والرياضيات في جميع الصفوف، وبعد الامتحان لوحظ تقدم ملموس. أما التجربة فنجاحها يتطلب متابعة دائمة من جميع الجهات لتحقيق شروطها، من تأهيل الأهل والإدارة والمعلمين.
السيدة أمينة سر مدرسة (أشتي) قدمت مقترحات لنجاح التجربة تكمن في تزويد غرف المصادر بوسائل تعليمية وترفيهية تتناسب مع المستويات، وفتح مراكز متخصصة ضمن مدارس الدمج يكون كوادرها مؤهلين من أصحاب المهارات الحسية والحركية لتعديل السلوك.
وأشار أحد التلاميذ أنه يتم تعطيل الدرس في بعض الحالات، والشعور بالخوف، ومحاولة الابتعاد، خاصة إذا كانت حالة تخلف عقلي من ذوي العنف.
المدرسة الثانية كانت (زياد العشوش)، بيّن مديرها الأستاذ أدهم البربور أنه وفق تعليمات الوزارة هناك معايير لقبول التلاميذ، وتحديد عدد الحالات في كل شعبة. إن وجود الصف الذي يضم حالات الإعاقة في الطابق الأرضي، إضافة إلى صعوبات أخرى، أهمها عدم تعاون الأهل، يجعل التجربة غير ناجحة، والاقتراح تأمين مدارس خاصة وكوادر متخصصة لهؤلاء.
وثمة سؤال يطرح حول ما بعد مرحلة التعليم الابتدائي؟.. وأين المؤهلات؟
إذ لابد من مرشد متفرغ مختص في غرفة المصادر، لأن وجود تلك الحالات أحدث تغييراً في جو المدارس.
وفي المدرسة ذاتها أوضحت المرشدة حبيا صعب بغرفة المصادر، أنه يوجد تقدم بسيط في الحالتين النمائية والعلمية، وذلك لحالات فردية نتيجة تعاون الأهل.
أما معلمة الصف رشا المحيثاوي فقد بينت أنها ضد الدمج لأسباب تأثير الأولاد ولا تقدم أو فائدة منها، لوجود تلاميذ ذوي أمزجة مختلفة، والوقت غير كافٍ، وعدم تقبل بعض الحالات للتعلم والنماء.
الآنسة سناء زيتوني بينت أن هناك حالات تتقبل، وحالات لا تتقبل، حسب درجة الإعاقة.
المرشدة الاجتماعية سامية حامد أوضحت أن الدمج صحيح، ولكن لحالات مقبولة. وعدم التأثير على التلاميذ والمعلمين، وذلك بالشعور، وبالتالي لابد من توفر معاهد متخصصة، لأنهم بحاجة لمتابعة دائمة.
المحطة قبل الأخيرة كانت مدرسة (محمود حرب)، فقد أشار مديرها الأستاذ بشير شلغين أنه وفق المعايير التي وضعتها الوزارة قبلنا 42 حالة، إن فكرة الدمج صحيحة لبعض الحالات وبعد الفحص الدقيق، وقد حققت نتائج نسبية لوجود حالات مثل صعوبة التعلم، وفرط النشاط العادي اللذين يمكن دمجهم مع الأسوياء. أما المراحل المتقدمة من تينك الحالتين أو غيرهما فهي غير قابلة للدمج، لما تشكله من عائق على باقي التلاميذ في الصف. لهذا أقترح: إقامة مراكز خاصة لإجراء الاختبار الأولي وفق المعايير العلمية ثم دمجهم، وتفريغ مرشدة اجتماعية خاصة لغرفة المصادر. وأوضحت الآنسة وفاء أبو سعيد المعلمة في غرفة المصادر أن عملية الدمج حققت تقدماً ملحوظاً لحالات صعوبة التعلم الخفيفة، وأصبح بإمكان بعضهم القراءة والكتابة، وهذا يتطلب المتابعة من الأهل، وتأمين كوادر مؤهلة. والأهم تفهم المشرفين للعمل على أن تكون القناعة ضمن تكوين الشخصية للمرشد.
المرشدة الاجتماعية حنان نوفل أكدت إيجابية الفكرة، واكتساب مهارات وتحصيل لحالات لديها صعوبة التعلم، وتأخر دراسي، ورأت أن عملية الدمج سيف ذو حدين، فلها إيجابيات ولها سلبيات. إلا أنه ينبغي وجود جمعيات نفسية رافدة تساهم في تقييم الحالات وتحويلها ونشر الوعي الاجتماعي والنفسي، لأن الدورات غير كافية لتأهيل المتخصصين، لطغيان الجانب النظري على العملي فيها.
نقلنا جميع الطلبات لتكون محطتنا الأخيرة إلى الآنسة نغم القنطار، منسقة الدمج لذوي الإعاقة في مديرية التربية بالسويداء، فأوضحت أن التجربة في سورية بسيطة وما زالت تحبو بتقدمها، قياساً مع الدول المجاورة، وهي لم تلق القبول لدى البعض بسبب قلة الوعي الاجتماعي والتقصير التربوي الإعلامي فيها. إذ يعتمد نجاحها على نشر الوعي بالمجتمع، وتأهيل الكادر التربوي والإداري حتى المستخدمين في المدارس، وتحويل غرفة المصادر إلى داعمة لجميع التلاميذ وإثرائه، وإحساس بالمسؤولية وتبادلها بين التلاميذ وأولياء الأمور، لأن فلسفة الدمج تقول: بقبول جميع الأطفال على اختلاف قدراتهم الذكائية والأكاديمية في المدرسة.
إن غرفة المصادر هي أحد أشكال الدمج وليس الأفضل، وهناك أشكال أكثر فائدة مثل صف خاص داخل المدارس، وهو دمج جزئي، ثم غرفة المصادر تكون دمجاً كلياً، بمعنى يأخذ الطفل دروسه وفق الخطة التربوية الفردية الخاصة به، في صف خاص من معلم متخصص، ويدمج بالباحة والأنشطة. وخلال الأسبوع يمكن دمجه بغرفة المصادر. وهناك طريقة الدمج الكلي أو معلم الظل، وهو معلم في الصف نفسه أي خاص بهم.
أخيراً ثمة سؤال يطرح على الجهات المعنية، وخاصة واضعي خطة برنامج تشغيل الشباب، لمَ لمْ يلحظ تعيين الخريجين من المرشدين الاختصاصيين في النطق، وصعوبة التعلم، ومجموعة من الإعاقات، بدلاً من نشر البطالة المقنعة في صفوف الدولة، علماً بأن المدارس بحاجة إلى كوادر مؤهلة والمدارس بحاجة إليهم؟
الاستثمار في التنمية البشرية ضروري وتشجيعه وتسهيل الإجراءات له يكونان بإقامة مراكز متخصصة، إذ لا يوجد في السويداء مركز متخصص لنشر ثقافة الوعي الاجتماعي بهذا المجال.
لعل التباين في الآراء بين رافض للتجربة ومؤيد لها، يعزى إلى غياب التخطيط السليم في استثمار العنصر البشري الإنساني. وبالتالي لابد من فرز خبرات علمية للعمل في هذه التجربة وتحقيق تقدم بها، بعد توفير البنى التحتية لها، ومستلزمات الاستمرار، وتقديم تسهيلات في الإجراءات الإدارية لإقامة المراكز المتخصصة، وتكثيف دورات لجيل من الشباب وليس للكوادر الذين هم على أبواب التقاعد.