أنا والحبش والذكريات..!
أعتقد أن لمعظمنا ذكرياته التي يمكن أن يبوح بها، لأنها لا تسبب له أي إحراج أو خجل، لاسيما تلك التي عبرت تضاريس حياتنا في مرحلة الولدنة.. طبعاً قد نجد من تستمر ولدنته إلى مرحلة الشيخوخة وبشكل بشع وسأحكي لكم قصة تؤكد ذلك فيما بعد.
وبالعودة إلى ما بدأت به مقالتي التي أتمنى أن تجد لديكم قبولاً ورضا يفوق قبولنا ورضانا عن نتائج منتخباتنا الكروية التي ما زلنا نحلم ونحلم بأن (يبيضّوها شي مرة)، ولكن عبثاً فتارة يحمّلون المسؤولية للحكم، وتارة للريح وتارة لغياب المحترقين (عفواً أقصد المحترفين). وطبعاً كل هذا يجد قبولاً عند المعنيين عن الشأن الرياضي، وتجري المسامحة والإطاحة بمشاعرنا ضاربين عرض المرمى بدموعنا وآهاتنا على كل (شوطة) وكل هدف ضائع.
كدت أن أنسى الحبش موضوعنا الذي سأتحدث عنه وأذهب بالكُرة إلى آخر المقال لتكون النتيجة (عارضة وما تنحسب المادة من خرج الصفحة) ولكن وجود ابنتي بجانبي هو ما أعادني إلى جادّة (الطفولة)، ولا اعلم لماذا خطرت على بالي جادات دمشق أيام كنت هناك أقضي خدمتي العسكرية.
لاحظوا أنني أتهرّب من الدخول في لب الموضوع ولا تنسوا أنني قلت لكم في البداية بأن هناك من يخجل من ذكر بعض تفاصيل مرحلة (الشيطنة) أقصد (الولدنة)، لذلك سأحمل سيف شجاعتي (وأكبّر ثلاث مرات على القصة) وأسردها على مسامعكم، دام فضلكم، فالبسوا أحزمتكم واستعدوا للضحك أو هز الرأس وشتمي، لأنني اختلست من وقتكم بضع دقائق كانت من حقكم.
في حقيقة الموضوع كان منزلنا كبقية المنازل في القرية مصنوعاً من الطين، وكان بجانب المنزل غرفة كبيرة كنا نسميها الزريبة، والزريبة يا حضرات هي المسكن للحيوانات التي كنا نربيها (بقرة وعدد من الماعز وحمار خبيث كان دائماً ينظر إليّ بكثير من (الحمرنة) دون أن أعلم السبب، علماً أنه كان يكتفي بهز أذنيه كلما هددته بعصا أو حبل، إضافة إلى عدد من طيور الدجاج والحبش. كان منزلنا يحاصر القرية من الجهة الغربية، وكان قريباً من المسيل الذي يفصله عن أرض الريم. وأرض الريم كانت كثيرة العشب فما إن تنتهي الحبشة (مدام الديك الرومي) من فترة الحضانة للبيض وتخرج صغارها لترى الضوء ووجه والدتي، حتى أجد نفسي ملزماً بقيادة تلك الطيور للرعي في أرض الريم، وهذا ما كان يفرض عليّ الاستيقاظ باكراً ويقضي على متعة النوم وأشياء أخرى أعتقد أنكم تتذكرونها إن عدتم إلى طفولتكم.
المهم ذات يوم وأنا أحاول أن أعود بالقطيع إلى المنزل أمسكت حجراً صغيراً ورميته باتجاه صغار الحبش، ولا أعلم كيف أصاب أحد الفراخ، فبدأ الصغير (ينط ويخبط) إلى أن فارق الحياة. عندئذ أدركت أنني سأتلقى من والدتي صفعات لا يمكن أن أنساها، فما كان مني إلا أن تسللت إلى الزريبة ومعي (الفقيد الصغير). وضعته في معلف البقرة (المعلف يا سادة يا كرام هو ما يشبه الصحن بالنسبة لبني البشر) ثم تسللت بالطريقة نفسها إلى أرض الري،م وناديت أمي لأخبرها أن القطيع ينقصه فرخ.
لم يمضِ إلا دقيقة أو أكثر بقليل حتى كان صوت والدتي الحزين يخبرني أنها عثرت على أحد الفراخ وهو ميت في معلف البقرة، فأبديت حزني على ذلك ولعنت أبو الأفاعي التي تسكن زرائب الحيوانات. المضحك في الأمر أن والدتي قالت لي بأن سم الأفعى هو ما أبقى جسم الفرخ (الفقيد) دافئاً.
أخفيت ابتسامتي وحمدت الله على خروجي سالماً من هذه الواقعة، وقررت ألاّ أرويها لأحد (انتبهوا من ذكر التفاصيل أمام أي شخص فقد تصل الحكاية إلى والدتي وعند ذلك…).
اليوم، بعد انقضاء عقود على تلك الحادثة لا أعلم لماذا كلما تذكرتها وحاولت أن أخبر والدتي بالحقيقة، هجمت عليّ طعمة كل صفعة وكل لسعة من قضيب الرمّان الذي كان يلازمها لبسط سيطرتها علينا دون أي إمكانية لتدخل والدي بذلك..برأيكم لماذا لم يكن والدي يتدخل..لاتحكوا إذا بتعرفوا.. عيب؟!