الزواج وصندوق الجدة
لقد وصل الكثيرون إلى غايتهم في امتلاك المال، فكان لهم ما أحبوا من الصيت الذائع والذكر الشائع، ولكن تبقى المتعة الروحية واللذة القلبية والسعادة العقلية هي الهدف الأسمى والأرقى في حياة الإنسان.
وفي هذا السياق نجد الكثيرين جادين في البحث عن الراحة والفائدة واللذات، بعيداً عن الحب، بحيث تبقى هذه المنطقة (الحب) مجهولة.. فيدخلون في مؤسسة الزواج وفق حسابات خاطئة.. وبجهل مطبق لمعنى السعادة الزوجية..
وعلى الصعيد الشخصي، يذهب كل امرئ بترجمة هذه المؤسسة وممارستها حسب ما يراها، فهناك من ينظر إليها على أنها متعة، وهناك من يعتقد أنها امتلاك للآخر، ومنهم من يؤمن بالشراكة الحقيقية. ولكن…
هل سيكتب لهذه المؤسسة النجاح، في حال وجود الحب الحقيقي.. أم أن النظرة السائدة لإخلاص المحبين بعضهم لبعض، وقدسية الروابط الأسرية أصبحت مضحكة، وقديمة كمحتويات صندوق الجدة؟ مما يؤدي في النتيجة إلى قصر عمر الحب، وعدم ثبات الروابط الأسرية والخيانات وحالات الطلاق.
ما الذي ينبغي أن يكون مركزاً للنظام الأخلاقي وأساساً للعلاقات الإنسانية، وبشكل خاص الحب والأسرة (الأنا) أم (اللاأنا)..؟
ولكن في حال اختيار (اللاأنا) فهذا لا يعني التغاضي عن الخلافات الأسرية والمشاكل الآنية الحتمية وتجاهلها بشكل كامل، لأن عواقبه ستكون وخيمة بسبب التراكمية، وإذا استطاع الزوجان أن يدعو كل منهما الآخر إلى دائرة الانتقادات غير المنفعلة وذات (الأفق الوضاء)، فإن حبهما يستطيع أن يجد ما يتنفسه، ولن يموت بسبب الملل وفضاضة الحياة.
من ناحية أخرى.. هل الحياة الزوجية ممارسة جنسية.. وأمور حياتية فقط؟ إذا كان الأمر كذلك، فالدجاجة تستطيع إنجاب الصيصان لأن الطبيعة علمتها ذلك.
الحب يقويه التفاهم المتبادل والرفد المتبادل بين المحبين على أساس خصوصية كل منهما، وكلما كانت الخصوصية أكثر سطوعاً، ازداد السعي والحاجة إلى الانفراد والانسجام مع الآخر. فالأضداد تجذب بعضها بعضاً مولدة التعطش للآخر. (وإذا جاز التعبير) فالحب هو إعادة تجسد روح في روح أخرى عبر فن دمج كينونة الذات مع الآخر.
من جهة ثانية.. إن السعادة الأسرية تبنى بشكل متكافئ على التكيف العقلي والروحي والجنسي لدى الناس. ولكي تمتد هذه السعادة عبر الزمن ينبغي أن يترافق الانجذاب الروحي منذ البداية حتى النهاية بالانجذاب الجنسي. لأن قوة السعادة الجنسية في الحب ترتبط على الغالب بقوة السعادة الروحية. وكلما كان الإعجاب أكبر وكذلك الميل نحو الآخر.. كانت المتعة الجسدية أوضح، وكلما كان الميل النفسي أقل، كانت متعة الجسد أقل.
وأخيراً نرى أن الحب والعلاقات الأسرية مرتبطة مباشرة بثقافة الإنسان العامة، وقبل كل شيء بثقافته الأخلاقية والجمالية، لذلك، كيفما يكن الإنسان يكن حبه!