في السويداء.. أجواء ماطرة وإيقاعات صاخبة
تحمل قطرات المطر إيقاعات وأنغاماً منسجمة مع أهازيج الفلاح لأنها النعمة المنتظرة لأصحاب الأراضي الزراعية الذين يبنون حياتهم على مردودها وإنتاجيتها، لكن في السويداء أصبحت نقمة، إذ كلما انهمر المطر ارتفعت أصوات التنهيدات الحاملة للشجن وألم المعاناة، يقيناً أن الألم بات علاجه صعباً وربما مستحيلاً.. والمعروف لدى العامة والخاصة أن الأمطار وغزارتها تفرح المزارع وتجعله يعيش حالة انتعاش كما تعيش الأرض العطشى الفرح الروحي، ولكن الهموم الثقيلة تطرد الفرح.
أوّل تلك الهموم أن أرضه تحتاج إلى حراثة وهذه تتطلب تأمين مادة المازوت للأليات الزراعية، والمادة متوفرة فقط في السوق السوداء وعلى عينك يا تاجر، ويقولونها صراحة (شرّف اشتري ليتر بــ 300 ل. س)، والسعر الرسمي 85 ل. س، فهل يشتريه بذلك السعر وهو ساكن الجبال التي تحتاج في السنوات الطبيعية إلى 1500 ليتر مازوت لكل منزل حداً أدنى للتدفئة؟ أم يشتريه للجرار إذا توفر لديه جرار؟ أم يقع تحت ابتزاز أصحاب الآليات الزراعية واضعي الحجج الجاهزة؟
تأمين المازوت مكلف!
حين سألنا اتحاد الفلاحين أجابنا: حاجة المحافظة سنوياً لتنفيذ أعمال الفلاحة 700 ألف ليتر، والواصل إلينا لغاية يوم 27 تشرين الثاني 2014 هو 145 ألف ليتر فقط؟
الشتاء ببرده القارس أقبل والإنتاج الزراعي لم يسوّق بعد بسبب الاحتكارات والابتزاز التي أحاطت فلاحنا من جميع الجهات.. دائرة الخزن والتسويق تحتاج إلى كمية محددة لا تتجاوز 3% من الإنتاج والدفع بعد عام على الأقل… والتجار قبل الموسم استولوا على برادات المحافظة، وتكاليف الإنتاج التي كانت سعر الكيلو في 40 ل. س أصبح بما لا يقل عن 100 ل. س لارتفاع أسعار مستلزمات العمل..ووقع الفلاح بين مطرقة السماء.. وسندان الظلم الجائر بحقه، والجهات ترى بالعين دون تدخل وهي تبتسم للتجار.
الأهم أنهم بشروا المجتمع أن لكل أسرة 200 ليتر مازوت، وبدأ التوزيع لعدد من الأسر، وبعد فترة وجيزة انخفضت الكمية إلى 100 ليتر، وحين زارت اللجنة المركزية المحافظة أصبح التوزيع فقط 50 ليتراً، يا جماعة! إذا كانت حاجة أي أسرة على الأقل 1000 ليتر، فهل يكفي أهالي السويداء ذات الطبيعة الجبلية 50 ليتراً؟ وبدأ الحسد لمن حصل على 200 ليتر في الفترة الأولى، كأنه أصبح من عداد الرأسماليين..
في ظل البرد الشديد تكثر الأمراض والكسور وغيرها، والمشفى الوطني بالسويداء يقدم خدمات كبيرة وربما فوق طاقته، لكن المشكلة ليست في الكادر بل في التخطيط الإداري، إذ ثمة سؤال هل يمكن لقسم الإسعاف الذي يدخله كل خمس دقائق مريض، أن يقوم بتقديم العلاج للمرضى فيه طبيب مناوب واحد وثلاثة ممرضين وجهازا ضغط فقط، وهذا غيض من فيض في قسم واحد، ونحن لم نلق الضوء على الأقسام الباقية التي لو دخلنا في تفاصيلها لكان الشيطان لنا بالمرصاد، وربما السؤال المطروح: الطبيب الذي يأتي عند الساعة العاشرة ويذهب لعيادته في الثانية عشرة بعد قيامه بجولة صباحية، ألا يخضع لقانون العاملين في الدولة المحدد فيه ساعات عمل لأصحاب المهن الإنسانية (الطب)، علماً أن المشفى الوطني بالسويداء لديه من الكوادر الطبية الكثير؟
كذلك يشعر ابن السويداء أن معاناته مع المطر في شبكات الصرف الصحي، فقد كشفت الأمطار عيوب سوء التنفيذ وتسببت بفقدان العديد من كوادرنا الثقافية والإنسانية والاجتماعية الرافدة للتنمية، إذ بالأمس القريب وأثناء هطول الأمطار الكثيفة وبسبب قلة الجريان والتصريف حدثت فاجعة كبيرة خسرت بها السويداء واحداً من كوادرها العلمية الهامة في القانون على طريق قرية الثعلة التي يتعطش أهلها للمطر.. ماذا نقول؟.. هل السبب السماء أم الأرض، أم القائمون على التنفيذ؟
إلى متى نبقى نعيش تحت رحمة تجار الأزمات، وأعين الجهات ترى ولا تبدي استعداداً للتدخل لحماية الفلاح والمستهلك معاً من الابتزاز؟! هل الفاسد المبتز هو الرافد للاقتصاد الوطني أم الفلاح المنتج؟…أليس من حق المزارع تأمين مستلزمات عمله بأسعار تتوافق مع دخله؟..متى نكتفي شر عواقب هطول الأمطار بشبكات صرف صحي مميزة تقف حاجزاً في تسبب خسارة كوادرنا الوطنية؟!