بين الاستيراد والاحتكار.. المواطن يدفع الثمن!
تكاد الأزمة تبلغ عامها الخامس ومازال المسؤولون عن المعالجة وإيجاد الحلول يبحثون عن (تحاميل) مهدئة دون الغوص في إيجاد حل جذري، والمواطن حتى الآن يجد نفسه مضطراً للتعاطي مع هذه الحلول الإسعافية غير الناجحة، لكن حتى الآن لم يجد هذا المواطن المسكين لدى القائمين على معالجة الأزمة ما يريح باله ويدخل قليلاً من الطمأنينة إلى تفاصيل أيامه.
الغاز
دعا أعضاء مجلس محافظة طرطوس خلال الجلسة العادية السادسة للعام الحالي إلى إعداد قاعدة بيانات خاصة حول حاجة كل منطقة بالمحافظة من المواد المقننة والمحروقات، بحيث يتم الاستفادة منها في الأزمات، وترسل المواد مباشرة إلى مستحقيها، لكن على الرغم من قرار محافظ طرطوس بزيادة حصة المحافظة من 14 ألف اسطوانة إلى 18 ألف اسطوانة، إلاّ أن الواقع حتى الآن لم يتغير، فما إن تدخل سيارة توزيع الغاز إلى أي منطقة من طرطوس حتى ترى الحشود المتدافعة بانتظار الحصول على اسطوانة فأين هي المشكلة؟!
السيد محمد يوسف (موظف) يرى أن المشكلة في طريقة التعاطي منذ البداية مع الأزمة، فهناك تجار أزمات وهم على استعداد للتخلي عن قيمهم في سبيل الربح، وهؤلاء لا يمكن ضبطهم إلا من خلال وجود لوائح اسمية وفق دفاتر العائلة فلماذا لا يتم التوزيع وفق هذه الدفاتر مع وجود ختم يوضح آخر عملية تبديل؟!
السيد مصطفى محمد (مدرّس) يتحدث عن خلل في إعطاء رخص الغاز، فهل من المنطقي أن تكون رخصة الغاز لإحدى القرى 200 اسطوانة، ولا يوجد في القرية أكثر من 50 أسرة؟!. من المؤكد أن صاحب الرخصة سيقوم ببيع الزيادة هذا إن لم يقم ببيع كامل مخصصاته متذرعاً بأنه بسبب الأزمة لم يحصل الاّ على ربع الكمية.
مراكز مباشرة
يوجد في كل منطقة من مناطق طرطوس أكثر من مركز لتوزيع الغاز يسمى المركز المباشر، وهذا المركز يشغله أكثر من موظف، وفي بعض الحالات يكون مستأجراً من قبل سادكوب، لكن الطريف في الموضوع أن هذا المركز لا يحوي أي اسطوانة غاز على الرغم من انه يتم تزويده بشكل يومي بمخصصات، لكن تقوم سيارة توزيع الغاز بالتجوال في المنطقة ويبقى المركز مغلقاً أو يشغله احد الموظفين لاحتساء المتة فقط!
السيد علي يسأل عن جدوى وجود المركز المباشر اذا كانت سيارة الغاز التي تستجر المادة من سادكوب تتجول في المدينة، وبشكل مزاجي من قبل السائق وبزيادة على سعر الاسطوانة يصل حتى 100 ليرة سورية.
السيدة مهى ترى أن لا مشكلة في دفع 100 ليرة زيادة على ثمن اسطوانة الغاز بشرط أن تتوفر، وألا يدفع المواطن من كرامته كي يحصل على هذه الاسطوانة، وتضيف بأنها تلجأ أحياناً لاستخدام سخانة الكهرباء في عمليات الطهي، ولكن للكهرباء مشاكلها أيضاً!
جداول التوزيع
مؤخراً توصل جهابذة الحلول السريعة إلى طريقة تقضي بتوزيع الغاز وفق لوائح وجداول ترسلها الشعب الحزبية من المناطق إلى سادكوب، ويتم تزويد المناطق بعدد الاسطوانات وفق هذه اللوائح، لكن هذه الطريقة نخرها الفساد، إذ يتم بالتواطؤ مع المسؤول عن وضع هذه الجداول التلاعب بعدد الاسطوانات، فمثلاً في صافيتا هل من المعقول أن يتم تزويد الحي الشرقي، ويضم ساحة الدريكيش وحارة بيت أبو ديب والشارع الرئيسي من ساحة الدريكيش حتى البازار القديم وحتى الوصول إلى دوار السيد الرئيس وطريق اليازدية وحي الضهر، حيث التعداد الأسري للحي بحدود 1800 أسرة، هل من المنطقي أن تخصص لها 400 اسطوانة أسبوعياً، في حين يتم إعطاء قرية زوق بركات وحكر الشيخ إسماعيل وضهر السويدة وعامودي وقرية مرج دياب، وهذه التجمعات صغيرة جداً لا تتجاوز 250 أسرة، لكن وفق الجداول يتم تزويدها بنحو 500 اسطوانة أسبوعياً؟!
سوق سوداء
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الدراسة والبحث، فالخلل واضح في توزيع اسطوانات الغاز من مكان التحميل في بانياس مروراً بالطريق الواصل إلى المناطق، وصولاً إلى داخل التجمعات السكنية، حيث المزاجية في عمليات التوزيع والشللية دون أي رادع أخلاقي أو أمني، وهذا كلّه بيئة مناسبة لانتشار أسواق سوداء كما يقال عنها تتوفر فيها المادة لكن بأسعار خيالية، وعلى عينك يا تموين ويا حماية المستهلك ويا كل الجهات الأمنية، فإلى متى يظل المواطن عرضة للابتزاز والاستغلال في ظل غياب الضمير بشكل بشع؟!
مازوت التدفئة!!
أما عن توفر مازوت التدفئة فقد وعد المسؤولون منذ شهرين أو أكثر بتوفير 200 ليتر لكل عائلة على دفعات، وقد تضاربت التصريحات فمنهم من قال بأنه سيتم توزيع 100 ليتر فقط لكن رغم كل هذا وذاك فالتوزيع يجري بالقطارة وبمزاجية القائمين على التوزيع، إذ حصلت بعض العائلات على 50 ليتراً والتوزيع حتى الآن لم يتجاوز 20% من السكان، ويتحدث الأهالي بسخرية وبقرف واضح عن طريقة التوزيع، ويرى البعض أنه إذا ظلت آلية التوزيع بهذه الطريقة فمن الممكن الحصول على مازوت التدفئة في الصيف القادم، فيما يرى آخرون أن المشكلة في لجان التوزيع وآليتها، فلماذا يتم حصرها بأمناء الفرق الحزبية والبلديات؟ وهل بقية المواطنين السوريين ليسوا أهلاً ليكونوا في هذه اللجان..؟ يؤكد الكثيرون أنه يجري التلاعب بكمية التوزيع وطريقتها، وأنّ الكمية المخصصة تأتي لأي قرية ولا يسمع بها إلا مجموعة من المقربين..! ويتساءل المواطنون أيضاً لماذا لا يتم التوزيع على دفتر العائلة من الكازية المخصصة لكل منطقة لضبط هذه العملية..؟ أم أن الفساد أصبح له طريقة وثقافة خاصة، فمن التلاعب بالعدادات إلى التلاعب بالأسعار، حيث يتم إضافة زيادة على سعر كل ليتر تتراوح بين 10 ليرات و15 ليرة؟! وما ينطبق على الغاز ينطبق على المازوت لجهة وجود سوق سوداء تتوافر فيها الكميات التي يريدها المواطن، لكن بسعر مرتفع جداً إذ يصل ثمن ليتر المازوت فيها إلى 150 ليرة، وأحياناً 200 ليرة في بعض المناطق، فمن أين يحصل هؤلاء على الكميات الموجودة في خزاناتهم الضخمة؟!
الاستيراد
يبرر بعض المعنيين عدم توفر المحروقات بتأخير عمليات الاستيراد، لكن لم يعد هذا الكلام يقنع أحداً، فما هو المبرر كي ننتظر حتى تنفد المادة سواء كانت غازاً أم نفطاً حتى نستجر من الدول الصديقة ما نحتاجه؟! أليس من الواجب ان نمتلك الشفافية لنصرّح بحقيقة ما يجري بهذا الخصوص؟!
أخيراً: أعتقد أن الحديث يطول ويطول في هذا الموضوع، لكن منعاً للإطالة سنكتفي بهذا على أمل أن يستيقظ الضمير عند بعض المسؤولين، الذين أوكلت إليهم معالجة الأزمة وإيجاد الحلول الناجعة لها، بدلاً من زيادة الأزمة وخلق أزمات إضافية ترهق المواطن الذي بات عاجزاً عن حمل قشّة كتلك التي قصمت ظهر البعير ذات يوم، فهل من يقظة حقيقة للضمائر النائمة؟!. نتمنى أن نتلمّس هذا على ارض الواقع قريباً جداً!!