نظرة سريعة إلى القطاع الزراعي في 2014: الأسعار ترتفع.. والاستثمار يتراجع.. فهل يحظى بالأولوية؟!

القطاع الزراعي السوري هو العمود الفقري ومحرك الاقتصاد والمساهم الأكبر في الناتج المحلي السوري، تأثر كغيره من القطاعات الاقتصادية الحيوية بالأزمة الراهنة التي تمر بها سورية، إذ تشكل الزراعة 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي في سورية حسب تقديرات عام 2010 ويعمل في القطاع الزراعي نحو 17% من مجموع قوة العمل أي قرابة 900 ألف عامل وتبلغ مساحة سورية 18.5 مليون هكتار وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات نحو 6.5 ملايين هكتار.

والمتتبع لواقع هذا القطاع يجد أنه تعرض لخسائر كبيرة نتيجة الأزمة الراهنة ونتيجة تغيرات المناخ وخاصة في العام الماضي الذي اعتبر عام الجفاف لقلة الأمطار، ورغم كل ذلك استطاع القطاع الزراعي أن يلبي حاجة السوق المحلية والأسواق الخارجية أيضاً، رغم الصعوبات الجمة التي تعترض عمله، والتي أدت إلى رفع أسعار معظم السلع الزراعية مع تزايد استيراد بعض أصنافها، بعد خروج العديد من المناطق الزراعية وعجزها عن الإنتاج، إما نتيجة وقوعها في مناطق ساخنة أو لصعوبة تأمين المستلزمات الخاصة بالإنتاج وارتفاع تكاليفها، مما دفع العديد من الفلاحين للتوجه إلى زراعات تعتبر أقل تكلفة ولا تحتاج إلى متابعة يومية.

ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية

حالياً أسعار الخضار والفواكه في السوق المحلية تضاعفت ولم تكن أفضل حالاً عن عام 2013 فقد وصلت الأسعار إلى أكثر من 300% في بعضها، وهناك أنواع ارتفعت أسعارها مقارنة مع فترة ما قبل الأزمة 2011 إلى نحو 500%، ورغم ذلك لا يزال تصدير بعض أنواع الخضار والفواكه يسير على قدم وساق وبأسعار ربما تعتبر أرخص من أسعارها في السوق المحلية.

 ولا يخفى على أحد أن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه التي تعتبر من المواد الأساسية في الحياة اليومية لدى المواطن، قد أثر تأثيراً بالغاً على القدرة الشرائية للمستهلك وعلى حجم الطلب أيضاً، وأثّر على المعروض في السوق وعلى سرعة دوران عجلة الاستهلاك بشكل عام، خاصة أن المنتجات الزراعية ليست كغيرها من المنتجات، بل تتعرض للتلف السريع في حال عدم تداولها بسرعة في السوق.

 وزير الزراعة أحمد القادري، ذكر سابقاً، أن سورية لم تفقد أي منتج زراعي خلال الأزمة، مشيراً إلى وجود فائض بعدة محاصيل وجرى تصديره إلى الأسواق الخارجية، موضحاً أن الوضع الزراعي بخير.

الاستثمار في الزراعة يكاد يتلاشى!

رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي أوضح أن من أولويات مرحلة إعادة البناء والإعمار تسليط الضوء على القطاعين الزراعي والصناعي لأهميتهما في إعادة بناء سورية القوية المتجددة.

إلا أن ممثل وزارة الزراعة في هيئة الاستثمار سامر مارديني أوضح في أحد تصريحاته مؤخراً، أن تشميل المشروعات الزراعية، أوشك على الانعدام خلال العامين الأخيرين، فقد كانت حصيلة 2013 تشميل مشروع واحد في السويداء، على حين تم تشميل مشروعين فقط في العام الجاري، أي يصبح الإجمالي 152 مشروعاً في 23 عاماً، مشيرا إلى أن عدد الأسر التي تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على خدمات الزراعة والقطاف والتصنيع والتجارة تقدر بنحو 600 ألف أسرة سورية.

وكشفت التقارير الصادرة عن هيئة الاستثمار، عن انخفاض حجم الاستثمارات الزراعية مقابل الصناعة والنقل، فخلال الفترة 1991- 2010 بلغ عدد المشروعات الزراعية المشملة 149 مشروعاً مقابل 1623 مشروعاً في الصناعة، و1620 مشروعاً في النقل، وأن عدد المشاريع الزراعية المنفذة وقيد التنفيذ بلغت 78 مشروعاً، مقابل 1111 مشروعاً في الصناعة.

إلى ذلك، لفت رئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو خلال العام الحالي، إلى عدم وجود تشريعات ونصوص قانونية حول تنظيم العلاقات الزراعية، بشكل آمن لصاحب الأرض والمستثمر، وخاصة لدى الاستثمار لزمن طويل، وضعف التمويل والتشدد في مسائل طلب الضمانات وخاصة في طلب الكفلاء، علماً أن قيمة الأرض عادة ما تكون مرتفعة جداً، مقارنة مع قيمة القروض المطلوبة، كلها عوامل لعبت دوراً كابحاً في التوسع بالاستثمارات الزراعية.

إذاً هناك تراجع كبير في الاستثمارات الزراعية مقارنة مع غيرها من الاستثمارات، مع الإشارة إلى أن معظم الاستثمارات تشهد تراجعاً نتيجة الأوضاع الراهنة، إلا أن التراجع في القطاع الزراعي ليس كغيره من القطاعات، لأنه لاعب أساسي في الاقتصاد السوري.

أضرار وصعوبات

وكان تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي خلال العام الماضي، لفت إلى أن (الأزمة التي تعيشها سورية كبدت قطاعها الزراعي خسائر تقدر بـ 1.8 مليار دولار أمريكي، كما أوضح التقرير أن (المزارعين يواجهون صعوبات في جمع المحاصيل بسبب نقص الوقود والظروف الحالية في سورية). وبالطبع هذه المعطيات ربما نستطيع القول بأنها تضاعفت خلال 2014 فقد رُفع سعر المازوت مع صعوبة في توفره، وفي حال توفره فإنه بسعر مرتفع يصل إلى 250 ليرة لليتر، كما أن الآبار الزراعية تحتاج معظمها إلى هذه المادة لضخ المياه وري المزروعات مما شكل عائقاً كبيراً أمام استمرار الفلاحين في العملية الإنتاجية.

وأثرت الأزمة أيضاً على نوعية المنتجات الزراعية، فقد توجه الفلاح إلى الزراعات الأقل كلفة والتي لا تحتاج إلى متابعة وعناية يومية كما ذكرنا، فانخفض إنتاج بعض المحاصيل مقارنة مع ارتفاع بعضها الآخر، فمثلاً انخفض إنتاج الشوندر السكري والقطن وارتفع إنتاج بعض المحاصيل الأخرى، وتوجه المواطن العادي أيضاً إلى الزراعة على شرفات منزله وعلى الأسطحة، وذلك لكي يستطيع تأمين حاجته اليومية من المواد الغذائية الزراعية وليهرب قدر الإمكان من ارتفاع الأسعار، وسابقاً ذكر محافظ ريف دمشق حسين مخلوف، أن حجم الأضرار غير المباشرة التي لحقت بالقطاع الزراعي نتيجة لتوقف بعض الزراعات وخروج بعض الأراضي عن الاستثمار، وتدني نسبة الإنتاج نتيجة للظروف الناجمة عن الأزمة، تصل إلى 56 مليار ليرة عن العامين الماضيين، بمعدل 28 مليار ليرة في كل عام، لافتاً إلى أن لجنة الأضرار سجلت خلال 2013 نحو 20 طلب تعويض لمنشآت وفعاليات زراعية بقيمة 650 مليون ليرة، إضافة إلى تعطيل عمل 50% من المداجن المقامة في ريف دمشق والبالغ عددها 970 مدجنة، وكانت وزارة الزراعة أوضحت في أيار 2013 أن قيمة الأضرار التي تكبدها القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وصلت إلى نحو 74 مليار ليرة، نتيجة خروج بعض المساحات من الاستثمار الزراعي وانخفاض الإنتاجية لعدم تأمين مستلزمات الإنتاج.

توجهات جديدة وإنجازات للأفضل

 وزارة الزراعة بدأت وفق ما ذكرته بالتوجه إلى تشجيع تسويق المنتجات الزراعية التقليدية والعضوية، كما أفاد وزير الزراعة أن 2014 هو عام الإنجازات العلمية، وذلك للتقدم الزراعي الذي حققته الأبحاث الزراعية من خلال استنباط الكثير من الأصناف العالية الإنتاج، والمقاومة للأمراض وأعطت امتيازات كبيرة، وخاصة في المحاصيل الإستراتيجية والخضراوات والأشجار المثمرة، كما توجهت إلى دعم زراعة الزيتون وزيت الزيتون وستطلق عملية الدعم هذه بداية 2015.

الأولوية يجب أن تكون للقطاع الزراعي

ما نود التركيز عليه هو أنه رغم الصعوبات والخسائر التي ذكرناها سابقاً ورغم كل شيء فإن المستهلك لم يلحظ فقدان أي سلعة غذائية زراعية في السوق المحلية رغم ارتفاع سعرها، وهذا يؤكد أن القطاع الزراعي لا يزال منتجاً وقادراً على العطاء، ولكنه يحتاج إلى عناية حكومية أكثر، وتلبية احتياجات الفلاحين لجعلهم يتمسكون بالأرض ولا يتوجهون إلى أعمال أخرى، وهنا لا بد من تأكيد  أهمية توفير المشتقات النفطية للفلاحين ودعمهم سواء في الأسمدة أو الأعلاف أو الكهرباء أو الماء، وتأمين متطلباتهم بشكل دقيق، لأن الزراعة نقطة انطلاق الصناعة والتجارة ولا يمكن الاستغناء عنها، وهي الأساس والأهم من أي قطاع آخر، سواء السياحة أو الصناعة أو غيرها من القطاعات، فالأولوية الحكومية حالياً بعد إعادة الأمن لربوع سورية يجب أن تكون للقطاع الزراعي، وهي تتماشى مع إعادة الإعمار، لأن الزراعة ترتبط بالأمن الغذائي وخاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الاستراتيجية.

العدد 1140 - 22/01/2025