هدر الموارد البشرية خصوصيتنا الموظف السوري يعمل 22 دقيقة يومياً!
ثمة حقائق صادمة، ومثيرة للشفقة، وتعبر عن واقعٍ مظلمٍ وقاسٍ، وتكشف مدى التخلف والترهل الإداري القائمين. الآن ثمة حقيقة أكثر قسوة، إذ أعلن رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، خلال جولة في طرطوس الأسبوع الماضي، أن وسطي عمل الموظف السوري خلال دوامه لا يتجاوز 22 دقيقة في اليوم. أي بتراجع 4 دقائق مقارنة بالحقيقة التي أثارها التقرير الاقتصادي العربي الموحد قبل فترة، وخلقت عاصفة من الانتقادات اللاذعة، عند إعلانه أن متوسط عدد ساعات عمل الموظف العربي عموماً تصل إلى 26 دقيقة في اليوم، من أصل 8 ساعات عمل مطلوبة وفقاً للقانون.
يعيش القطاع العام حالة متردية جداً من الترهل الإداري، وتتفشى بين جنباته البيروقراطية والفساد بصفتهما ألد أعداء الإدارة الحديثة والمتطورة. فالجهاز الوظيفي العام، البالغ عدده (2.5) مليون عامل، يبدو عاطلاً عن العمل، وفقاً لمقياس عدد ساعات العمل الفعلية. وفي هذا الإطار اعتبر التقرير الاقتصادي العربي الصادر عام 2007 أن نسبة التشغيل في القطاع العام في الدول العربية كمجموعة، تعد الأكثر ارتفاعاً في العالم، إذ تقدر حصة القطاع العام من إجمالي التشغيل بـ17.5% مقابل متوسط عالمي يبلغ 11%.
ويظهر جلياً أن انتفاخ هذا الجهاز وتضخمه، بالتوازي مع انخفاض الإنتاجية، هو من أكبر التحديات التي تعرقل محاولات الإصلاح الإداري المتبعة، وتخلق حالة من الصعب معالجتها، لجهة الاستفادة من الموارد البشرية بصفتها ثروة حقيقية. كما أن الضعف الواضح في الإدارات العليا، وعدم كفاءتها، دليل واضح على حالة الترهل التي يعانيها هذا الجهاز الكبير، بدليل حجم الروتين والبيروقراطية الهائل الناتج عن تركّز الصلاحيات بيد قلة محدودة جداً من العاملين. ويضاف إلى تلك المعطيات مدى الانعكاس السلبي على الأداء، وتفشي مرض البطالة مقارنة مع انخفاض الأجور.
لا يمكن الركون إلى ما يسمى التوظيف الاجتماعي، للقبول بهذا الواقع المزري، أو الاستسلام له، فعدد ساعات العمل الفعلية، تكشف واقعاً آخر للإدارة المترهلة والسقيمة في سورية على مستوى معظم المؤسسات. وتوضح بشدة، أن يوم العطلة يقلل من الخسائر الكبيرة التي تحصل في يوم الدوام العادي. وإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، عند مناقشة الحكومة لموضوع يوم العطلة الإضافي، أي يوم السبت، قبل نحو عشر سنوات، أوردت الحكومة آنذاك، في معرض تبريرها لهذا القرار، حجم الوفر المتحقق من يوم عطلة إضافي. تصوروا أن تعطيل يوم بالنسبة للقطاع العام، يعني تحقيق وفر، بدلاً من أن يكون فوات ربح؟! وهذا دليل قاطع على سوء إدارة الموارد البشرية، وضعف استثمارها، ونسف الجهود في سبيل تحسين الأداء، وكشف لزيف كل مزاعم التدريب والتأهيل الذي تتبعه الحكومة، والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها حول وضع العمالة السورية في القطاع العام.
العامل، أو الموظف، السوري بلاعمل، ولا ذنب لعامل وجد وظيفة في القطاع العام، واكتشف أنه لا يوجد عمل. ولا ذنب لهذا العامل، عندما يجد ذلك الهدر الكبير للطاقات والموارد البشرية، ويقف مكتوف الأيدي، ولا ذنب له أمام رضوخه المعلن لهذا الواقع الذي صنعته حكوماتنا الرشيدة، تأسيساً على خصوصيتنا المعهودة. هاهي ذي الحقيقة التي لابد من معالجتها، ووضع خطط تسمح للعامل في القطاع العام بالعمل، والاستفادة من قوة عمله، بالقدر المعقول. فهذه القوة المهدورة، والضائعة، وغير المستثمرة، بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بها، وبدورها الذي حيّدته الحكومات المتعاقبة، وجعلته بلا أهمية، وفرّغته من مضامينه الحقيقية، ومن جوهره العميق، وتركته بلا معنى. قوة العمل هي أثمن رأس مال تمتلكه سورية، في زمن هُدرت فيه كل الثروات الطبيعية، ولم يعد لدينا ما نباهي أو ننافس به الآخرين، سوى هذه القوة التي يمكن بفضلها توليد التنمية.