ماذا تفعل إذا تورطت مع الأفوكادو؟

لن أفعل مثل غيري وأقوم بإلقاء اللوم على مروجي الثقافة الاستهلاكية التي أقنعتنا أن علينا أن نلتهم كل ما يعرض في الأسواق وعلى الشاشات من أطعمة غريبة وعجيبة، ولا على الفريق الاقتصادي السابق أو اللاحق، فمشكلتي ببساطة أني قررت شراء كيلو غرام من الأفوكادو، لماذا؟ لأني وجدت أن سعرها قريب من سعر البطاطا! طبعاً لا أقصد البطاطا التي غنت لها الشحرورة في دعوتها للحب والبساطة مع (أبو الدراويش)، وإنما البطاطا (بنت اليومين دول) التي تدللت وتمخترت مثل غيرها من الخضروات، كما أني لا أنكر أن من بين الأسباب الأخرى التي ورطتني مع الأفوكادو، هو الفلسفة الجديدة التي اعتنقتها حديثاً أنا وغيري من المواطنين المصريين على خوض يانصيب يومي مع قذائف الهاون (وأنت وحظك يا بتصيب يا بتخيب)، فبسبب شعورنا الدائم أن كل يوم قد يكون آخر يوم في حياتنا، صار من حقنا الإقبال على (الملذات الشخصية)، واللذة عند مواطن مثلي طبعاً لا تتجاوز أكلة شاورما أو صحن كنافة! وأن الحقيقة باتت مقنعة بأن أزمتنا الاقتصادية – عفواً أقصد ارتفاع الأسعار – سببها هذه الفلسفة الشعبية الأصيلة، وليس جشع التجار، فالإكثار من تناول الطعام أدى لارتفاع أسعاره. قد يسألني ذكي: (وما سبب ارتفاع أسعار الملابس؟) لا تخافوا، أعرف الجواب، وهو شعورنا بأننا قد لا نحيا حتى الغد، فنحن لم نعد نشتري الملابس لكي لا يرثها غيرنا، وهذا أدى إلى ضعف الطلب عليها، عندئذ راح التجار يرفعون ثمنها ليعوضوا خسارتهم من جيب الذي يضطر للشراء، ثم لا تنسوا أن كل نظريات العالم الاقتصادية، وقوانين العرض والطلب لا تنطبق على حالتنا، فنحن جماعة استثنائيين لا مثيل لنا! أظن أني ابتعدت عن قضيتي التي هي كيلو الأفوكادو الذي تورطت به، بعد أن قررت ألا أغادر هذا العالم الفاني دون أن أتذوقه . وصلت إلى البيت ووضعت الحمل الثمين في المطبخ، ثم دخلت أبدل ثيابي، وأنا أتخيل رد فعل الأولاد على المفاجأة العظيمة، ولم يطل انتظاري، فقد سمعت زعيقاً مصحوباً بأصوات غريبة تصدر من أفواه الأولاد، ركضت باتجاههم متسائلة عن المشكلة، فصمتوا واجمين، بعد الإلحاح اعترفت الصغرى: لقد تذوقنا من ذاك الشيء المقرف الذي في الكيس… يا للهول! شيء مقرف؟ صرخت بهم بأن أكل الافوكادو له أصوله، ولكن الحقيقة أني لا أعرف ما أصوله، بل حتى لا أعرف كيف يقشر، لكن عملت ما بوسعي، ثم وضعت قطعة صغيرة في فمي، وبصعوبة، كتمت أحاسيسي، فقد كان ما تذوقته شيئاً لزجاً، له زناخة السمك النيء، يا عيب الشوم يا حضرة الأفوكادو!! مع ذلك أقنعت نفسي أني مواطنة جاهلة ولا أعرف طعم فمي، فاضطررت لاستشارة الأصدقاء، فراح كل منهم يدلي بدلوه: هذا يقول إن الأفوكادو خضار وليس فاكهة، فهو يستعمل للسلطة، وتلك تؤكد أنه يؤخذ كعصير، بينما أخرى تنصحني بوضعه في قالب الحلوى، والجميع أكد فائدته العظيمة للجسم، وأنا لا أختلف معهم بأن له فائدة ما، وإلا ما وجد في الطبيعة، لكن المشكلة كيف سنبتلعه… وحين واجهتهم بهذا سكتوا، ومن صمتهم عرفت أن لا أحد منه تذوقه قبلاً. ما لي ولهؤلاء الجهلة المدعين، ليس أمامي سوى الإنترنت، فتحته، ورحت أبحث في أسرار الأفوكادو، فإذا به شيء خطير، لكن لا بد من خلطه ببعض الأنواع الأخرى، كالأناناس والكيوي والعسل وشيء اسمه البابايا، وربما احتاجت الوصفة بعضاً من لبن العصفور! لا يا جماعة، يكفي هذا، لن أتورط بمقلب جديد، لكن لا بأس أن أجرب أحد الاختراعات التي عثرت عليها، فقد قررت أن أعمل منه (ماسك) للبشرة، خصوصاً بعد أن لاحظت نذير سوء، إذ إن لون الثمار انقلب سريعاً من الأخضر الى البنفسجي، مثل حال التصريحات الحكومية بخصوص الدعم، المهم أمسكت ذاك الشيء العجيب، ودهنت به وجهي، وكلي قناعة أني سأصبح براقة اللون مثل نجمات التلفزيون… وربما كان هذا ممكناً، لولا أن فتح باب الغرفة فجأة ودخل زوجي، وبقي جامداً برهة وهو عاجز عن الكلام، إذ ظن أن هذا المخلوق الأخضر اللون قد هبط عليه من الفضاء…

العدد 1140 - 22/01/2025