المهمّشون
يتداول الناس في جلساتهم قضايا اجتماعية كبيرة وصغيرة، خاصة في الأزمات السياسية والحروب والكوارث الطبيعية. ومن أبرز القضايا الاجتماعية ما أفرزته الأزمة السورية من إفقار وضياع وتشرد وتهميش.
إن قراءة تاريخ المهمشين القديم والمعاصر في جميع مراحله، تكشف تعدد أنماط المهمّشين وتنوّعها.. والنتيجة واحدة لمن يعزل نفسه عن حياة مجتمع، مدّعياً أن الدولة والمجتمع غير قادرين على تفعيل جميع أفراده، واستثمار قدراتهم وطاقاتهم وتوظيفها لخير المجتمع والوطن.
وفي القاموس: (الهَمش: يعني العضّ. والهامش: حاشية الكِتَاب. ويقال: فلان يعيش على الهامش، أي لم يدخل في زحمة الناس، ولا يشارك في الأمور العامة).
كثيرون يضعون أنفسهم بعيداً عن الأضواء، ويعملون تحت شعار( المشي بجانب الحيط والقول يا الله السترة!). وهؤلاء أكانوا أفراداً أم جماعات يهمّشون أنفسهم بإرادتهم، وكأن لا دخل لهم بما يجري حولهم من تطور وأحداث يمكن أن يكونوا فاعلين ومؤثرين فيها أكثر من الآخرين، من الذين يدّعون التأثير، علماً أنهم يتساوون مع المهمّشين في مواقفهم، لا بل إنهم أكثر سلبية منهم.
المفارقة، أن هناك علاقة متنافرة (بين المهمّش والإقصائي.. والمتن والهامش.. والمركز والأطراف.. والمناطق المتطورة والمناطق المهمّشة). ويمكن إضافة مئات الأرقام من سجلات المهمشين في التاريخ، من العمال والمبدعين والكتاب، ومن التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي..! وبعض هؤلاء بلا جنسيات ولا حقوق المواطنة وبلا هويات تعريف بشخصياتهم، وغير مسجلين في أية جهة حكومية. وليس لهم أية انتماءات حزبية ونقابية وتنظيمية في منظمات أهلية ومدنية ولا يخضعون لأية رقابة مثل (أطفال الشوارع والمشردين).
وفي المقابل هناك مئات ألوف الأشخاص في معظم دول العالم، يملكون جوازات سفر وهويات شخصية ومهارات مهنية، لكنهم بعيدون عن المجتمع ولا يمارسون أي عمل. ويعيشون على الهامش في عشوائيات بائسة، أوفي المقابر وعلى الأرصفة وفي بيوت التنك والصفيح، كما في (مصر والهند والبرازيل ودول أخرى) على سبيل المثال لا الحصر، علماً أن قسماً من هؤلاء المهمّشين ليسوا فقراء ولا يعيشون حياة العوز والذل، ويعمل بعضهم ويجني ويحصل على مورد دائم يحقق له ولأسرته حياة لائقة من تعبه وعرق جبينه وجهده!
ومن يجُلْ في شوارع دمشق والمدن السورية الأكثر أماناً، ويوجه الكاميرا إلى الأرصفة والزوايا والأحياء الفقيرة المهمّشة في أطراف وهوامش المدن، يدرك مدى المفارقة الصارخة بين المركز والأطراف. وسيخرج حتماً بنتائج مأساوية ملطخة بالسواد ومرقَّعة بالقهر، في حق مجتمعنا الذي يتعرَّض للإرهاب منذ ما يزيد عن عامين ونصف.. ويتساءل آخرون: عما سببه التكفيريون والوهابيون من خراب ودمار وتعرية لجمال سورية وحضارتها وسرقة آثارها.. ومن فقر وجوع وتشريد وبؤس ويأس وموت و.. و..!
ويرى دارسون للمجتمعات وصيرورتها، أن التهميش له علاقة مباشرة بمن يملك السلطة والقرار، وطبيعة النظام السياسي والطبقة أو الفئة المهيمنة التي بيدها زمام الأمور والحل والربط. فالمهيمنون، منذ أن وجدت الشعوب والدول، يحاولون بذل أقصى جهدهم كي يظلوا مهيمنين لمدة طويلة. ويرى هؤلاء أن ديمومة التسلّط ترتبط برباط وثيق بحرمان المهمشين، وتزويدهم بمتطلبات الحياة، على الطريقة (البافلوفية). وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة.
وتكرّس الأمم المتحدة عشرات ما يسمى ب(الأيام العالمية)، وتنصّب لها سفراء للمحبة والسلام. وبادرت مؤخراً إلى تخصيص يوم عالمي للمراحيض، حددته في 14 تشرين الثاني من كل عام. وإذا كان ملياران و500 ألف إنسان يحلمون بالذهاب إلى مرحاض يتوفر فيه على الأقل باب وأدوات تنظيف، فكم مليار إنسان بحاجة إلى طعام ومأوى ولباس ودواء؟