الشهــــــــــــــــداء الأحيـــــــــــــــــــــاء أولاً

 في الحروب الخارجية سواء كانت حروباً دفاعية أو استعمارية، وفي الحروب الأهلية وحروب التحرير الشعبية، في الحروب كلها لا بدّ من ضحايا، ويسمي أصحاب الديانات السماوية ضحايا الحروب منهم بالشهداء.

عيد الشهداء الذي يُحتَفَلُ به في السادس من أيار من كل عام احتفاء بذكرى الوطنيين السوريين واللبنانيين الذين أعدمتهم سلطات الاحتلال العثماني القروسطي في 6 أيار عام 1916 عشية انهيار سلطة الاحتلال وتأهب العرب للخروج من ربقة السيطرة العثمانية، هذا العيد مناسبة للتذكير بأحوال أُسَر الضحايا الذين قتلوا في المقتلة السورية المستمرة منذ سبعٍ عجاف، وهم يتوزعون بين ضحايا من المنتسبين للجيش السوري والميليشيات المساندة والرديفة له، وأعضاء في الميليشيات المسلحة التي تشكّلت بأوامر من الدول الممولة للخراب في سورية (دول الخليج وتركيا والغرب)، وركبت موجة الاحتجاجات السلمية مستفيدة من القمع المنفلت لها، ومن مدنيين على ضفتي الحرب وهم الأكثرية الساحقة من القتلى.

ماذا فعلت الدولة السورية لذوي الضحايا وأُسَرِهم؟

رغم انشغالها بالحرب الضروس على جبهات عدة بدأت الدولة بسن تشريعات لمساعدة أهالي القتلى وأبنائهم وزوجاتهم خصوصاً، باستمرار راتبه لهم، وبإعطائهم الأفضلية في مسابقات التعيين ضمن وظائف الدولة الشحيحة، ومنح مقاعد لأبنائهم في الجامعات والمعاهد، إضافة إلى استقبالهم للعلاج في المشافي العسكرية والحكومية مجاناً وإجراءات أخرى تعينهم في تأمين حياة مقبولة لهم.

هذه الإجراءات ربما ليست كافية لتأمين حياة هذه الأسر التي فقدت معيلها في الحرب، لكنها ساهمت كثيراً في تخفيف الأعباء عن كواهلها.

لكن المصيبة الأكبر تصيب عائلات القتلى المدنيين على الجهتين، فهؤلاء (لا بواكي لهم) على قول المثل الشعبي، وفي (عجقة) الحرب والخراب والقتل تحولوا إلى أرقام في نشرات الأخبار سرعان ما تصبح طي النسيان.

بالنسبة لقتلى العصابات المسلحة لا بدّ أن هناك إجراءات تُتَخذ من قبل قادة العصابات ومموليهم في تولي أمور أُسَرِ قتلاهم لإرضاء حاضنتهم الشعبية ووسطهم المساند، ونحن هنا لا نعلم شيئاً عن هذه الإجراءات، لكن المؤكد أنها عابرة كوجود هذه العصابات نفسه، وستنتهي بزوالها، لتتحول إلى عبء على الدولة والمجتمع أيضاً بعد استعادة ما تبقى من مناطق يسيطر عليها المسلحون.

لكن هناك كارثة أكبر من القتلى في هذه الحرب، إنهم المعاقون والمشوهون نتيجة العمليات، هؤلاء يموتون كل لحظة ألف مرة، ويعيشون مع عاهات سببتها الحرب لهم جعلتهم بحاجة إلى مساعدة دائمة تعجز عنها أسرهم إن بقي لهم أُسَر، ولا توجد جهة تتولى بشكل منظم أمورهم وأمور عائلاتهم، ولا يتعدى الأمر جهوداً محدودة من منظمات وأشخاص لا يمكن أن تضع حلاً منهجياً وشاملاً لمآسي (الشهداء الأحياء) وأسرهم.

إن مساعدة ذوي قتلى الحروب، ومعوقيها وجرحاها هي من واجبات الدولة والمجتمع الأهلي بالتكافل والتضامن، وبسبب غياب المنظمات الأهلية الفاعلة في ظلّ الحرب وغياب بيئة سياسية وتشريعية ومجتمعية صالحة لقيام منظمات أهلية حقيقية ومستقلة، يصبح العبء الأكبر في هذا الحقل أيضاً على الدولة، وهو عبء كبير لكن لا بدّ من تبنيه وتنظيم مساعدة الأُسَر التي فقدت معيلها قتلاً أو تشوّهاً أو اعتقالاً أو اختفاء.

العدد 1140 - 22/01/2025