عــــــــلى عــــــــاتق الـــــدولـــــة

في الأسطورة المصريّة القديمة، كانوا يلقون بأجمل الفتيات كلّ عام لنهر النيل، في طقوس ومراسم معينة، في بداية الأمر، ليرضى بعد ظنِّهم أن خيره قد شحَّ حزناً.

بعدئذٍ تسابقت الفتيات تُضحي أملاَ بلقاء حبيبها الأسطوريّ في عالم أبهى.

ربما هي أسطورة لا تمتُّ إلى الواقع بصِلة، لكن التضحية من أجل الكل كانت الغاية لتستمر الحياة ويبقى النيل العظيم يُعطي.

إذاً (التضحية) أمر مطلوب في كل زمان ومكان، لكن يختلف مفهومها وعنف الموقف الذي نضع فيه رقابنا تحت نِصال السيوف.

لكن إن كانت التضحية عظيمة مهمة وقيّمة فما حال المُضحّي؟!

الحقيقة أننا قد نُعطي أعظم القيم والاهتمام لذلك الشخص، فيصير في سجلاتنا وذاكرتنا شهيداً نَخُطُّ اسمه في كل مكان، وتحمل الأزقة والمدارس عبق تضحيته، وتَعُجُّ كتب التاريخ بصدى صوته، فالشهيد كما يُقال هو الأحق بالوطن.

فنمنحه قبراً هو الأجمل، وربما تسرقه الأرض خِلَسًة لتُعيد زرعه في أحشائها دون ضجيج الجنازات.

لكن ماذا عن باب منزله الذي تُرك مفتوحاً على أمل عودته؟

ماذا عن دمية ابنته التي وعدها بها؟

الأسئلة عميقة كثيرة ومهمة عن حال عائلة شهيد قضى.

قبل حربنا هذه وحتى اليوم خُصص لأبناء الشهداء مدارس وبعض الميزات، واليوم صار لذوي الشهيد بعض الامتيازات في الحياة العملية (لهم نسبة 50% من شواغر الوظائف) كما كان لهم حظٌّ من التسهيلات العلمية الخاصة في الجامعة وما إلى ذلك.

لكن السؤال اليوم، عدد شهدائنا قد صار كبيراً (عسكريين ومدنيين وقوات رديفة)، فهل ستتحول الدولة في خضم تحديات هذه المرحلة إلى فانوس سحريّ يلبي كل احتياجات هذه الأسر؟

هل كثرة العدد هو السبب وراء الالتزام بالعسكريين فقط دون البقية؟

الفكرة الأولى والأهم من أي شيء برأيي هي المساواة، فالكل شهيد على اختلاف من كان راغباً بذلك أو من تصيّدته الأقدار.

أمّا بالنسبة للتعويضات والامتيازات، فهل الأحق أن تكون لمن حمل السلاح فقط عسكرياً ضمن صفوف الجيش أو قوات رديفة؟

إن كان الحديث عن الأحقيّة فنحن كلنا أبناء هذا الوطن، ونشرب الحرب أقداحاً أمرّ من الموت، القضية صارت معقدة بعض الشيء، والمشكلة أن الحرب لم تنتهِ بعد، وغداً سيأتي المصاب والمتضرر ليطالب بتعويض وبدل ووظيفة وحقوق.

ففي ظروف استثنائية كهذه، لا أعتقد أن عاتق الدولة يحتمل مزيداً من المطالب والإصرار، وخصوصاً تعويضات مادية وسكنية.

ربما قد يكون الحلّ الأمثل، التوجّه بشكل خاص وضروري ومُلحّ لأطفال هؤلاء، فهم المتضرر الأكبر والشريحة الأهم التي لا تغنيها المادة عن الحنان والحب، لذا قد نُكرّس لهم الدعم النفسي، ولا شك أن الجمعيات التطوعية والجهات الخيرية تُساند بعض الشيء في أداء هذا الواجب، المسؤولية جماعية وليست فردية، والحلول بيد الجميع.

العدد 1136 - 18/12/2024