الأرض هي الوطن والهوية

الأرض هي الوطن والكيان والوجود، فلا وجود لأيّ شعب كان، دون أرض يعيش عليها.   هو ذا مفهوم الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني. ولذا دافع عنها وناضل من أجل المحافظة عليها منذ بداية القرن الماضي وما زال حتى يومنا هذا. لذلك يُشكّل يوم الأرض معلماً بارزاً في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني، باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت وما زالت تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه.

في هذه الأيام تصادف ذكرى يوم الأرض الخالد، الذكرى التي يُعيد فيها المواطن الفلسطيني تأكيد علاقته المتميّزة مع أرضه، ذكرى تلك الملحمة البطولية التي تُجسّد عمق ارتباط الفلسطيني بالأرض.. تلك العلاقة التي تعمدت بالدم الزكي القاني الذي تخضبت به الأرض الفلسطينية العطشى لدماء أبنائها الأبرار، فنحن مخلوقون من الأرض، ومن المؤكّد أن هذا هو سر عشقنا الأسطوري لها، فقد خرجنا من طينها وترعرعنا فيها، وأكلنا من ثمارها، وتغذينا من عطائها، فالأرض هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وهي سرُّ حياتنا وعنوان وجودنا. إنّ حبّ الأرض فطرة ربانية جُبل عليها الإنسان، فلا يُحتاج إلى دليل عقلي أو شرعي لنستدلّ على وجوب اعتناقها، إنّ ما شاع في عصرنا الحاضر عند جيلنا الجديد من التنكّر للأرض، وهجر حبّها، إنّما مردّه إلى شيوع ثقافة اليأس والإحباط بسبب تصرفات البعض الخاطئة، حين صار حب الوطن والتغني بالوطنية سُلّماً للوصول إلى المناصب وتقلّد المراتب والحصول على المكاسب، أو تحويله إلى حزب سياسي المُنخرط فيه يصير وطنياً والخارج عنه يصير خائناً، وشاع احتكار الوطنية وتعويد المواطن على الولاء والرياء السياسي، وقُسّم أهل الوطن الواحد إلى وطنيين وغير وطنيين، إلى مواطن من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية، فهذه الثقافة الخاطئة هي التي سوّغت لجيلنا هجر الأوطان والتغرّب عنها والتنكّر لها.

الوطنية ينبغي أن لا تكون مكسباً أو مغرماً، بل هي عقيدة و إيمان، وإنّ تنمية الحس الوطني عند أجيالنا الجديدة يأتي حينما يتقاسم أبناء الوطن الواحد آلام الوطن كما يتقاسمون لذائذه، وإذا ما أردنا التعبير عن حب الأرض والوطن، فليس أمامنا سوى تذكّر ما قاله شاعر الأرض المبدع محمود درويش الذي خط قلمه أبلغ ما جاء في الأدب العربي عن الأرض والوطن والتضحية في سبيل الوقوف في وجه الاستعمار الصهيوني:

هذا الترابُ ترابي

وهذا السحابُ سحابي

وهذا جبين خديجة أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ

رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..

قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر

هل نهضت طفلتي الأرض! هل عرفوك لكي يذبحوك؟

وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟

وهل عرفوك لكي يذبحوك وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟

أنا الأرض.. يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها احرثوا جسدي!

أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس مرّوا على جسدي

أيّها العابرون على جسدي لن تمرّوا.. أنا الأرضُ في جسدٍ لن تمرّوا

أنا الأرض في صحوها لن تمرّوا.. أنا الأرض.

يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها لن تمرّوا لن تمرّوا لن تمرّوا!

العدد 1140 - 22/01/2025