أنا الأرض
أنا الأرض, نعم أبلغ تعبير عن مدى الانتماء والالتصاق بالأرض والوطن, وبكل ذرة تراب من هذا الوطن, لنجعل أنفسنا سنديانة صامدة راسخةً جذورها بالأرض, واقفة ً بوجه رياح الغدر والفتنة, فلا كرامة من دون وطن, لأننا نستطيع العيش من دون الأهل أو حتى الأولاد, لكن لا نستطيع العيش بلا وطن, بلا هوية, فمن هنا تولد حاجتنا إلى العيش ضمن مجموعة من الناس, على أرض وطن واحد وتحت سمائه, انطلاقاً من هذا الحس والشعور بالرغبة بالانتماء, علينا أن ندرك تماماً أن انقسام الوطن يعني ضياعه وضياع الوحدة الوطنية, وهذا حتماً مشجع كبير للهجرة الخارجية للبحث عن الانتماء الطوعي.
وطبعاً, هنا يتحوّل الصراع من صراع ضدّ العدو من أجل كرامة الوطن، إلى صراع بين الأبناء ضدّ الوطن للأسف, وبالتالي ضياع الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد, وطبعاً هذا أكبر سبب لانهيار أي قضية وطنية, وهذا ما جسده الصراع على الأراضي السورية, خلال أزمة عمرها ست سنوات, عندما غَيّبَ البعض من أبناء سورية مصلحة الوطن والأرض, وحلّ محلها مصلحة المناصب والمكاسب, فكل فريق بات يشد طرف القضية باتجاهه, وضاع الوطن بين مؤيّد ومعارض, ما جعل اللون الرمادي يطغى على أغلب الشعب السوري, هذا الشعب المغموس بالرمادية داس الطرفان أحلامه، وعبرا بمصالحهما فوق طموحاته, فبات الوطن والمواطن السوري لفظاً فقط في أفواه مستغلي الوطنية. لذلك لابد أمام هذا الصراع من وقوف الطبقة المثقفة من أصحاب الرأي الحر, إلى جانب قادة الرأي من ذوي الفكر المعتدل سواء في المساجد أو الكنائس, أيضاً أصحاب مقولة الدين لله والوطن للجميع, وكل من يحمل في فكره السلام لوطن السلام, إلى جانب أبناء وطنهم, وتعزيز الانتماء بالمحبة, لأن الإنسان بلا وطن حتماً بلا كرامة, ولأنك إن أضعت الوطن لا يمكن أن تجده حتى في عالم خيالك الوردي, وإن انسلخ عنك كأنك سلخت روحك عن جسدك, فلا بدّ أن تكون مصلحة الوطن فوق مصلحة جميع الأطراف,
ولنعلم وندرك أن عدونا خارج سور الوطن متربص لقتلنا, لقتل أطفالنا, لقتل المحبة فينا, لقتل روح الانتماء إلى الأرض, لتشريدنا ولسلبنا هويتنا, من هنا علينا نحن أن نقضي على عدونا القاطن في نفوسنا أولاً من حقد على الآخر وبغضه وعدم تقبّلهن لمجرد اختلاف بالرأي, لنستطيع بعد غسل نفوسنا أن نرى بوضوح عدونا الخارجي, وهذا حتماً يتحقق بمحبة الجميع, فلنمد يد المحبة رجالاً ونساء, أطفالاً يافعين, شباباً وشيباً, مؤيداً ومعارضاً, متطرفاً ومعتدلاً, لإعادة أعمار الوطن, وليكن سلاحنا مُشهراً ضدّ الغاصب.. لا ليقتل بعضنا البعض الآخر, ولتكن سماء الوطن غطاء محبة فوق جسد كل سوري شرب من ماء دمشق, وعطّر صباحه بياسمينها، ولوّن أيامه بحمرة الجوري, واستعدّ ليسطّر التاريخ والحاضر والمستقبل على جدران قلعتها, واستراح بعدها ليُكمل قراءة الحب من مكتبة الظاهرية, لينشر روايات المجد من قمة قاسيون, فالحب يبدأ من دمشق ليُدرَّس في بلاد العالم.