الخجل الفردي والخجل الجماعي

عندما يسمع المرء كلاماً جميلاً أو إطراءً موجهاً إليه ولا تعينه الكلمات على الرد ولا يمتلك من الخبرة ما يمكنه من الخروج من هذا الموقف، خاصة أنه مضطر للتفوه بأي شيء رداً على العيون التي تحدق به منتظرة جواباً على إطراءاتها يبدأ الدم بالتسرب إلى الرأس ليملأ الوجنتين احمراراً ويزيد الشخص ارتباكاً على ارتباك، فينهي المحادثة بتمتمة تخرج من شفتيه، ومن ثم يحاول الهروب وإنهاء هذا الكابوس. بهذا التفسير الذي لا يدعي صاحبه أنه على دراية بعلم الاجتماع يمكن توصيف ما يسمى بالخجل، وهو ظاهرة اجتماعية كانت قبل عقد أو أكثر شائعة في مجتمعاتنا خاصة بين الأطفال ، نقول (كانت) لأنها اليوم في طور التراجع، لا لأن الأطفال قد تغيروا وحسب بل لأن المجتمع ذاته قد تغير وأصبح مختلفاً فيما يتعلق بطرق التواصل، فأصبحت نصف المحادثات التي يجريها الأشخاص مع أقرانهم أو مع الغرباء أحياناً تتم بطريقة إصبعية أي عن طريق الأصابع التي تقوم بالطباعة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يريح المتخاطبين من كثير من أعباء المحادثات التي تتم وجهاً لوجه والتي قد تولد خجلاً لدى المتحدثين. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بدأت الحداثة والعولمة تسبقها جيوش من القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية بإزالة الحواجز كافة والمتاريس التي كانت تضعها الآداب العامة والقوانين المجتمعية أمام الأفراد، فلم يعد هناك خجل من اقتحام مناطق الجنس والدين وغيرها من المواضيع التي كان التطرق إليها في النقاشات العامة وجلسات السمر محرماً أو مكروهاً، فصار لزاماً علينا تغيير القول المأثور (إن لم تستح فافعل ما تشاء) ليصبح (إذا كان مسموحاً لك فعل ما تشاء فلا داعي للخجل).

لكن هناك نوع آخر من الخجل وهو الذي لا يصيب فرداً واحداً بل يصيب الآلاف ومئات الآلاف دفعة واحدة، عندما يرون أن من يمثلهم أو ينوب عنهم قد قام بما لا يتوافق مع توقعاتهم أو بما يسيء له ولهم بآن واحد، وذلك على المنابر العامة الدولية منها والإقليمية، وهذا الممثل قد يكون فريقاً رياضياً مشاركاً في إحدى المسابقات الدولية، أو فناناً يظهر على إحدى القنوات الفضائية أو متسابقاً يشارك في إحدى المسابقات الفنية وقد علق برقبته بطاقة تحمل العلم السوري، فما إن تبدأ الكاميرا التلفزيونية بالتصوير حتى يتحول هذا الشخص من مجرد حالة فردية طموحة تبتغي ارتقاء سلم الشهرة إلى ظاهرة تخفق لها قلوب الملايين، لأنها تمثلهم بطريقة أو بأخرى وقد تصعد بهم إلى الأعلى وقد تنزل بهم إلى الدرك الأسفل. وهنا تظهر ظاهرة الخجل الجماعي كمؤشر إيجابي وليس سلبياً، لأنها إن دلت على شيء فهي تدل على غيرة الأفراد على وطنهم وحرصهم على أن يظهر بأبهى حلله، وأن يكون اسمه عالياً في المحافل الإقليمية. لكن هذه الغيرة يجب أن تترافق مع التزام مماثل من الطرف الآخر الذي يمثل الشعب في تلبية توقعات الذين يمثلهم، وتحمّل هذه المسؤولية وعدم استسهالها، وخاصة أن سيل الخجل الجماعي قد بلغ الزبا مذ بدأ الشأن السوري يتصدر نشرات الأخبار العالمية، وبدأت الصحف الكبيرة تفرد صفحات خاصة للأزمة السورية. وهنا يمكننا تقديم طلب استرحام يوزع للاتحاد الرياضي العام ولنقابة الفنانين ولكل من يرى أنه جدير بتمثيل بلده في الخارج عله يبقي لدينا بعضاً من الخجل. 

العدد 1140 - 22/01/2025